صحف
لبنان يؤكد لأورتاغوس تمسكه بنزع سلاح الحزب!
همس وزاري عن تأجيل تقني للبلديات… وزير الداخلية : الموضوع غير وارد لدينا
ارتفع الهمس في الأيام الأخيرة عن إرجاء تقني للانتخابات البلدية. ووفق معلومات “نداء الوطن” فإن أكثر من وزير ذكر هذه المسألة أمام سائليه. أمّا الحجّة بحسب مروّجي التأجيل، فهي عدم كفاية المهلة الفاصلة عن المرحلة الأولى للانتخابات في الرابع من أيار 2025، لاستكمال التحضيرات اللازمة.
وزادت التطورات الحاصلة على الحدود مع سوريا، واستمرار الغارات الإسرائيلية جنوباً، المخاوف الأمنية على الاستحقاق، خصوصاً أن البحث متواصل في كيفية إجراء الانتخابات في البلدات الجنوبية، في ضوء وجود 37 بلدة عانت من التدمير الكامل أو الجزئي. أما السؤال الذي سيحضر على طاولة الاجتماعات الأمنية في الأيام المقبلة، فهو مدى إمكانية استحداث مراكز على شاكلة البيوت المتنقّلة أو الخيم على وقع الغارات.
في هذا السياق، ينقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري إصراره على إجراء الانتخابات في موعدها لتأكيد وجود الدولة واحتضانها للجنوبيين، وأن لا مانع من استحداث مراكز اقتراع على شاكلة خيم، أو تخصيص مراكز في البلدات الآمنة، لتلك التي تعاني من الاحتلال الإسرائيلي أو من خطر استهدافاته.
تأكيد من الوزارة واللجنة
أمس لم يطرح الموضوع إلاّ عرضاً في لجنة الدفاع والداخلية التي تناولت الأوضاع الأمنية في الشمال، والتطورات الحاصلة على الحدود اللبنانية السورية. وقد سبق للجنة أن خصصت قبل أسابيع جلسة للملف، أُعلن في خلالها انطلاق قطار الانتخابات. لكن النائب عدنان طرابلسي سأل وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار بالأمس عن المهل وموعد دعوة الهيئات الناخبة، فسمع منه أن الأمور تسير بشكلها الصحيح والطبيعي.
وفي اتصال مع “نداء الوطن” يؤكد الحجار أن “دعوة الهيئات الناخبة ستتم قبل 4 نيسان، أي قبل شهر من المرحلة الأولى المرتقبة في 4 أيار”، مؤكداً أن “الإرجاء التقني غير وارد لدى وزارة الداخلية والبلديات”.
وبينما يحتاج أي إرجاء إلى قانون يقرّه مجلس النواب في جلسة تشريعية، فإن رئيس لجنة الدفاع النائب جهاد الصمد يقول لـ”نداء الوطن” إن الحديث عن إرجاء تقني “مجرّد حكي، والتحضيرات متواصلة، والانتخابات في موعدها”.
بيروت والبحث المستمر
بينما تعكف الوزارة على التحضيرات اللوجستية والأمنية، يُستكمل تصحيح لوائح الشطب، في حين تبقى إشكالية المناصفة في بلدية بيروت مدار بحث بين الفرقاء المعنيين، وهي مسألة تعالج بالسياسة أولاً وأخيراً. ووفق المعلومات، فالاتصالات والاجتماعات، المعلنة وغير المعلنة، مستمرة، ويفترض أن تظهر الأسبوع المقبل.
فكما بات معلوماً، فإن تأمين المناصفة غير ممكن بغياب تفاهم سياسي عريض يسمح بوصول 12 عضواً مسيحياً و12 مسلماً. علماً أن قوى سياسية حاضرة في بيروت لا تستبعد تقديم اقتراح قانون معجل مكرر لتعديل قانون الانتخابات البلدية في العاصمة، ليطرح في أول جلسة تشريعية تسبق الانتخابات، إذا ما وصلت مساعي التفاهم السياسي إلى حائط مسدود. أما انتخابات المخاتير، فستقرر الفائز فيها صناديق الاقتراع، من دون أن يعني ذلك غياب التفاهمات السياسية، تحت الطاولة، بين القوى الحاضرة في مختلف الأحياء الـ 12 في العاصمة.
إرباكات باسيل الحكومية… هل يحق له بأكثر من وزير ؟
تفيد كواليس التفاوض الحكومية ان رئيس التيار جبران باسيل يعيش حالة انكار للواقع ويطالب بحصته وحصة غيره من الحقائب الوزارية والوزراء، متجاهلاً تمثيل القوات والكتائب والمردة واللقاء التشاوري النيابي المستقلّ الذي شكّله النواب الأربعة الذين استقلوا عن باسيل بعد تخوينهم مع عدد من النواب المستقلين.
وتفيد المعلومات أن جهات سياسية معنية بالتأليف واجهت باسيل بالحقائق التالية:
أولاً: ان باسيل معارض للعهد الجديد من الأساس باتهامه على مدى سنوات قائد الجيش جوزاف عون بالخيانة والفساد وقلّة الوفاء ، وهو الطاعن بدستورية التمديد له في قيادة الجيش مرتين أمام المجلس الدستوري والمطالب بإلغاء كل صوت يحمل اسم قائد الجيش يوم انتخابه رئيساً للجمهورية، بينما يعتبر النواب الذين أخرجهم باسيل من الإطار التنظيمي للتيار ومن شاركهم لقاءهم النيابي الجديد، من المدافعين عن عون والتمديد له وصولاً إلى انتخابه رئيساً.
ثانياً: إن ادعاء باسيل أن الحالة العونية التي تشكل الخزان الحقيقي للقواعد الناخبة للتيار موالية له، وأن الأصوات التي أتت بمعظم هؤلاء النواب هي له، هو أيضا إدعاء يتنكّر للحقيقة وتدحضه الوقائع التالية:
أ- نجاح هؤلاء النواب في كل الانتخابات التمهيدية الحزبية للتيار وفي الانتخابات النيابية في دوائرهم الانتخابية من خلال تصدرهم المراكز الأولى في الحزب وفي أقضيتهم. في حين رسب باسيل في كل هذه الانتخابات منذ ٢٠٠٥ لحين تغيير القانون الانتخابي عام ٢٠١٧ بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وفرضه رئيساً على التيار بعد الغاء الانتخابات، بحجة التوافق.
ب- احتضان الحالة العونية للتيار بشكل واسع قبل وبعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة للرئيس المنتخب جوزاف عون الذي خونّه باسيل كما خوّن غيره من النواب والكوادر العونية المؤسسة للتيار، ما يدلّ على سقوط مقولة احتساب أصوات النواب من التيار له.
بل على عكس ذلك، إذ لم يعد سرّاً الحرب الضروس التي شنت على هؤلاء النواب من قبل باسيل وحتى الرئيس السابق ميشال عون لعدم التصويت لهم في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وما استلحاق باسيل لنفسه بتهنئة عون بعد انتخابه ووضع نفسه بتصرفه إلا الدليل القاطع على أن “الحالة العونية” محتضنة لرئيس الجمهورية والعهد الجديد وغير موافقة على حرب باسيل عليه.
وتختم الأوساط المتابعة لكواليس التفاوض إن زمن فرض باسيل معادلات غير مسبوقة بالتمثيل السياسي والحكومي والإداري وتأخير الحكومات “لعيونه” قد ولّت إلى غير رجعة.
والسؤال الحقيقي الذي وجب طرحه اليوم ماذا يمثل باسيل فعلياً وما هو عدد نواب “تكتله” إذا ما حذفت منه الأصوات الشيعية التي أتت بما تبقى منهم لا سيما في البقاع الغربي وبعلبك الهرمل وزحلة وبيروت الخ… فهل يحق له عندئذ بأكثر من وزير؟
بداية استياء خارجي من الإبطاء في التأليف …لا دعم دولياً مع “الثلاثية” والثلث المعطّل والتوقيع الثالث
تراجعت التوقعات الإيجابية السابقة بولادة وشيكة للحكومة العتيدة. ويقول المطّلعون على كواليس “الطبخة الحكومية” إنه على الرغم من زيارة الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نواف سلام بعبدا أمس، فإن هناك مستجدات تطلّبت إعادة النظر في توزيع الحقائب وطائفة الوزراء، وأن المعروض حتى الساعة لا يرتقي إلى مستوى المسودة الوزارية بعد.
ويمكن تقسيم النقاشات الحكومية الدائرة اليوم، وبحسب معلومات “نداء الوطن”، بين الثابت والمتحرّك. وتتعلّق الثوابت بكونها حكومة اختصاصيين غير حزبيين يتم فيها فصل النيابة عن الوزارة، وعدم توزير مرشّحين للانتخابات النيابية المقبلة بما أن من مهام الحكومة الجديدة الإشراف على الانتخابات. أما المتحرّك، فيتعلّق بتوزيع الحقائب وطائفة الوزراء.
وتشير الأجواء إلى أن مهمّة الرئيس المكلّف وضع التركيبة الهندسية للحكومة ليصار إلى توزيعها على الجهات السياسية المشاركة، لتسقط الأسماء عليها في المرحلة الأخيرة. لكن الاتصالات الدائرة بين الرئيس المكلّف والجهات الراغبة بالمشاركة في الحكومة لم تفض حتى اللحظة إلى الانتهاء من المرحلة الأولى بعد.
ويشير العارفون بالتأليف الحكومي، إلى أن الحكومة لا تبصر النور فعلياً إلاّ مع صدور مراسيمها. ويفيد العديد من الأمثلة في تاريخ لبنان حول وعود بالتوزير تتلقاها شخصيات، ثم تؤدي تبديلات اللحظات الأخيرة إلى التقاط الصورة التذكارية للحكومة من دونها.
وفي الساعات الماضية، وبعدما تردد اسم الوزير السابق غسان سلامة (روم كاثوليك) لحقيبة الخارجية، عاد البحث عن اسم أرثوذكسي أو ماروني، في ضوء الصعوبة الكبيرة التي ظهرت بإمكان إدخال التعديل على الحقائب السيادية (الدفاع، الخارجية، المال، الداخلية)، طالما أن حقيبة المالية باقية من حصّة الطائفة الشيعية.
وبعدما حكي عن أن هناك وزيراً لكل 4 نواب، أو وزيراً لكل 5، سحبت هذه المعادلة من التداول، حتى لا تتحوّل الحكومة إلى “برلمان مصغّر”، بدل أن تكون سلطة اجرائية فاعلة تخضع لرقابة مجلس النواب.
وفي حين جرى الحديث عن أن لا حصّة وزارية لرئيس الجمهورية، تظهر النقاشات الدائرة أن “رئيس الجمهورية معني بكل اسم من اسماء الحكومة الجديدة، أياً يكن طارحه”، وسط رغبة بأن تكون الحكومة كلّها “حصّة الدولة” وفق التعبير الذي استخدم في أحد اللقاءات، انطلاقاً من إرادة الوصول إلى فريق عمل متجانس ينكب على معالجة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
في غضون ذلك، ينقل عن الأجواء الديبلوماسية المرافقة للوضع اللبناني بداية استياء من الإبطاء الحاصل في الملف الحكومي وما يرافقه من حديث عن تنازلات. لا سيما أن الخارج الداعم للبنان، يريد استمرار الزخم الذي رافق بداية العهد، وأن يستكمل بتشكيل الحكومة. لا سيما أن هناك كلاماً واضحاً سمع في لبنان، من خلال اللقاءات والاتصالات العربية والدولية الدائرة، بأن الدعم الدولي مرتبط بغياب ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” عن البيان الوزاري، وغياب الثلث المعطّل، وعدم استخدام إسناد حقيبة المال للطائفة الشيعية، كتوقيع ثالث لثنائي “أمل” و”حزب الله” للتعطيل أو العرقلة.
هل ستولد الحكومة هذا الأسبوع؟ تشير الأجواء الى أن عدم الإسراع في معالجة النقاط العالقة، سيجعل من الصعب ولادة الحكومة في الأيام القليلة المقبلة، مع الأمل بولادتها مطلع الأسبوع المقبل، إلاّ إذا “ركبت الحلول” في الساعات المقبلة، فتصدر المراسيم قبل نهاية الأسبوع.
حكومة النمط الجديد الاختصاصية لكل 4 نواب وزير غير حزبي
بسلام وابتسامة، أطلّ الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة القاضي نوّاف سلام على اللبنانيين من قصر بعبدا، وبنيّة الحكومة المنتجة والفاعلة، سيطلّ على النوّاب من ساحة النجمة، مع انطلاق الاستشارات النيابية اليوم، لينطلق قطار تأليف الحكومة الـ 78 منذ الاستقلال.
وفق البرنامج المحدّد، سيجتمع سلام مع الكتل السياسية والنوّاب المستقلّين لسؤالهم عن توجّهاتهم في حكومة من 24 وزيراً، تتألّف من أهل الاختصاص، يتمّ الفصل فيها بين النيابة والوزارة، وهو ما اتفق عليه سلام مع رئيس الجمهورية جوزاف عون.
بالتالي، باتت الكتل السياسية والأحزاب، في أجواء اقتراح شخصيات، من غير النوّاب، ترى فيها المواصفات المطلوبة للوزارة التي يريد “العهد” أن تكون حكومة عمل لا نكد وخلافات، لتنفيذ بيانها الوزاري المنطلق من “خطاب القسم” وما عبّر عنه الرئيس المكلّف في كلمته أمس من بعبدا.
أما توزيعها الطائفي فعلى الشكل الآتي: 5 وزراء موارنة، 5 وزراء سنّة، 5 وزراء شيعة، وزيران للدروز، 3 وزراء روم أرثوذكس، وزيران روم كاثوليك، وزيران للأرمن. وسط معلومات عن السعي إلى تمثيل الأقليات المسيحية، فيحصل الأرمن الأرثوذكس على حقيبة، وتذهب الثانية إلى الأقليات.
الأكيد أن نوّاف سلام لا يريد الوقوع في ما وقع فيه نسيبه تمام سلام عندما أخذ التشكيل الأطول للحكومة 315 يوماً. لا بل يرغب في أن تعتبر حكومة العهد الأولى، من الأسرع ولادة على غرار ما حصل مع حكومة عمر كرامي الأولى التي تشكّلت خلال خمسة أيام في 24 كانون الأول 1990، وتشكيل حكومة نجيب ميقاتي الأولى خلال خمسة أيام في 19 نيسان 2005.
تشير المعلومات، إلى أن بلداناً عربية وأوروبية جاهزة لتوقيع اتفاقات تعاون مع الحكومة اللبنانية، أوّلها المملكة العربية السعودية التي ستكون المحطة الأولى لرئيس الجمهورية، وليس آخرها إيطاليا التي حضر وزير خارجيتها مهنئاً قبل أيام، وتواصل بعدها مع بعبدا مؤكداً نية التعاون، أو اليونان التي وجّهت دعوة رسمية لرئيس الجمهورية. وبالتالي، فالشروع بهذا المسار يتطلّب حكومة مكتملة المواصفات.
التمثيل في الحكومة الجديدة
وفق المعلومات، قاعدة التمثيل التي عمل عليها في الحكومات السابقة، ستبقى سارية في الحكومة الجديدة، وهي معادلة وزير لكل 4 نواب. وإذا ما أفرزت الاستشارات النيابية، أن تبقى حقيبة المال لدى الطائفة الشيعية، فلا مانع في ذلك، طالما اختير صاحب الاختصاص الحسن السيرة لها من غير الحزبيين. فلا إقصاء لأحد ولا استبعاد لأحد، طالما أن معياراً أساسياً سيحترم، يتعلّق بالذهنية الجديدة المطلوبة بالعمل، والقائمة على الإنتاجية، والانخراط في مسار المؤسسات الفاعلة، وفق أحكام الدستور والقانون، لا المحسوبيات والتشاطر.
ستكون الساعات المقبلة مساحة لتفكيك الألغام السياسية. الرئيس المكلّف، ومعه رئيس الجمهورية، ينطلقان من أن لا وقت لإضاعته، بل يجب الاستفادة من الإحاطة الدولية للبنان للانطلاق نحو الأمام بالملفات العالقة، من تثبيت “وقف الأعمال العدائية، وتطبيق الـ 1701، إلى بدء معالجة ملف الودائع المصرفية”. و “العهد” يعلم أنه سيكون أمام قرارات “غير شعبية” في بعض الأحيان، لكن العبرة بالتنفيذ ليشعر اللبنانيون بالتغيير.
“الكعكة السورية” واستحقاقات المستقبل في ميزان المصالح الدولية والإقليمية!
سوريا بعد الزلزال الذي أطاح بشار الاسد، بصرف النظر عن أسبابه والعوامل التي أدّت إليه، تتصدّر المشهد الدولي والإقليمي. ستستمر هذه الصدارة طويلاً لأنّ هذا البلد يمرّ في مخاض صعب في ظل «ليالٍ حبالى مثقلات»، يتمنى كل ساعٍ للاستقرار في المنطقة ألّا «يلدن كل عجيب».
وقبل أن تفتح شهيات القوى الدولية، الإقليمية والعربية على «الكعكة» السورية، ينبغي أن تكون «العجينة» التي ستُصنع منها هذه «الكعكة» على مقدار من الجودة وغير فاسدة، وإلّا ستصبح سوريا ملعباً مفتوحاً لنزاعات هذه القوى، إلى درجة يصعب معها ضبط اللاعبين الذين قد لا يلتزمون قواعد اللعبة. من هنا يتكثف العمل الأممي، والاتصالات الدولية والحراك العربي. فيما تتصرف أنقرة من موقع الممسك بالأوراق والقادر على ضبط الإيقاع، وكمرجعية، بل كممر إلزامي لمن يريد أن تكون له حصة من «الكعكة». وقد بدأنا نشهد في لبنان «حجاً» متنوعاً إلى أنقرة من شخصيات سياسية، وعلماء دين، لاستطلاع آفاق المرحلة. وكانت للرئيس نجيب ميقاتي زيارة لافتة، ساعدته في تكوين صورة أوضح لما حصل في البلد الجار، وكيف يمكن التعاون مع الواقع الجديد الذي فرض نفسه على كل ما عداه من ملفات ملتهبة في المنطقة بدءاً بغزة وصولاً إلى لبنان.
كبيرة الديبلوماسيين الأميركيين باربرا ليف في دمشق على رأس وفد لمقابلة أحمد الشرع (الجولاني) لبدء محادثات حول مستقبل العلاقة الأميركية ـ السورية في مرحلة ما بعد الأسد، بعد سنوات من التوتر والقطيعة تخلّلتها انفراجات لم ترق إلى الاستقرار، وهي تطمح إلى بناء علاقة راسخة مع الحكم الجديد في دمشق بعدما أنزلت «موسكو» و»طهران» عن «رف» الامتيازات اللتين كانتا تتصدّرانه. غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمم المتحدة لدى سوريا أمل في تصريحات له في سوريا جديدة، ديموقراطية ينبثق الحكم فيها من انتخابات حرّة وشفافة، وهو يرى في الاستقرار السائد بنسبة مرضية في هذا البلد مؤشراً يُبنى عليه في تحديد مستقبله.
وفي موازاة ذلك، يعرب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن رغبة بلاده في العودة إلى دمشق، مستعجلاً فتح أبواب سفارته فيها التي سبق أن أغلقها غداة الحرب في العام 2011. والمعروف أنّ سوريا كانت من حصة فرنسا التي انتدبت عليها مع لبنان، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية وانكشاف اتفاقية «سايكس ـ بيكو» التي نصّت على تقاسم النفوذ في المناطق التي جلت عنها جيوش الإمبراطورية. علماً أنّ سلطات الانتداب الفرنسي خاضت حروباً دامية ضدّ مجموعات سورية مؤيدة للحكم الفيصلي في «ميسلون» وفي «جبل الدروز» بقيادة سلطان باشا الأطرش. وبعد نيل سوريا استقلالها تأرجحت العلاقة بين الدولتين في مدّ وجزر، ومرّت بمرحلة وردية، ولو لفترة وجيزة في عهد الرئيسين الراحلين جاك شيراك وحافظ الاسد، قبل أن تعود إلى ذروة التأزّم بين الأول وبشار الاسد، وظلت السلبية المطلقة عنوان الحقبة التي سادت مع كل من الرئيس السابق والرئيس الحالي لفرنسا نيكولا ساركوزي وايمانويل ماكرون. وعلى غرار بيدرسون وماكرون، فإنّ اكثر من دولة غربية وعربية شرعت تبدي اهتماماً بما يحصل في سوريا، لأسباب سياسية واقتصادية، وتجارية، لكن لا تجد طريقاً سالكة أمامها إذا لم تطرق أبواب تركيا التي بيدها أمر إجازة دخولها، ودفتر الشروط الذي يتعيّن الالتزام به.
لكن ثمة أسئلة تُطرح في سياق تقويم الوضع في سوريا، والمستقبل الذي ينتظرها. ففي بعض الأوساط الباريسية المراقبة شكوك حول قدرة القيّمين على الوضع في هذا البلد على صوغ دستور جديد يؤكّد الهوية المدنية للحكم، ويضمن تعددية المجتمع السوري وتنوعه، ويكون قادراً على طمأنة الأقليات. وذلك على رغم من الاتصالات المكثفة التي قام بها مندوبون عن الشرع مع رؤساء الطوائف المسيحية، ومشايخ الطائفة العلوية، والقائمين على الطائفة الدرزية، وممثلين عن الطائفة الشيعية، وتعهّد لهم باحترام خصوصيات هذه الطوائف، وعدم التضييق عليها، وعدم إقصائها عن الحياة العامة والسياسية في سوريا الغد. وجاءت العظة الأخيرة لبطريرك الروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي يوم الأحد 15 كانون الأول 2024، في كنيسة الصليب، قمّة في العمق والبلاغة، ورسالة للآتين الجدد إلى السلطة في دمشق لأن يفقهوا حقائق التاريخ والجغرافيا، بأنّ جميع مكونات الطيف السوري الديني والطائفي، والاتني هي من صلب المجتمع السوري، ولا يمكن أن تُهمّش وأن يحدّ من دورها وحضورها في كل الميادين.
وتشير التقارير التي تلقتها دوائر غربية، أنّ الارتياح الذي ولّده التغيير السلس الذي حصل في سوريا، لا يعني أنّ المخاوف قد تبدّدت، أو أنّها في طريقها إلى التبدّد في المستقبل المنظور، وذلك في ضوء ما يرد إلى باريس والفاتيكان من هواجس مشروعة من فاعليات روحية ومدنية مسيحية وغير مسيحية، باعتبار أنّ الثورة ومن هم وراءها يهمّهم في هذه المرحلة تقديم أوراق اعتماد تجاه المجتمع الدولي، ولا سيما منه الغربي، لا تشوبها شائبة. إضافة إلى أنّ المسألة لا تعني الشرع وحده الذي خلت تصريحاته من أي «فاول» في مجال طمأنة الاقليات، لأنّ هناك كثيراً من التنظيمات والجبهات والهيئات ذات الطابع الجهادي الاسلامي، التي تنتظر أن تكون لها حصتها في الواقع الذي سينشأ، ولن يكون من السهل طريقة تعاطيها المستقبلي مع الحكم في دمشق ولا طريقة تعاطيها مع الأقليات.
ويقول وزير لبناني سابق: «لا يكفي أن تقول للمرء أن لا يخاف، عليك أن لا تجعله يخاف، أو تدفع به مباشرة او غير مباشرة، عن قصد أو غير قصد إلى الخوف». أما في موضوع المستقبل السوري برمته، فإنّ الأمر يتصل بآلاتي:
1- ما هو مستقبل الكرد في التركيبة الجديدة لسوريا ما بعد الاسد؟
2- ماذا سيكون عليه موقف الحكم الجديد في سوريا من التطبيع مع إسرائيل، وكيف سيعالج مسألة ضمّ الجولان، وتوغل الجيش الإسرائيلي داخل سوريا لمسافة 14 كيلومتراً، ووجوده في الجانب السوري لجبل الشيخ؟ وأي درجة من الأولوية يحتل هذا الموضوع في اهتمامات القيادة السورية الجديدة؟
3- بعد الطلب من التنظيمات الفلسطينية الموجودة في سوريا وقف تدريباتها، وتسليم سلاحها للسلطة الجديدة، هل تتّجه عناصر هذه التنظيمات إلى مخيمات لبنان، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات؟
4- كيف سيؤثر الوجه الإسلامي للثورة السورية على الوضع السنّي في لبنان لجهة بروز قوى وتموضع قوى ثانية وانكفاء أخرى؟
5- هل سيكون هناك التزام باحترام سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحر، فلا عودٌ إلى المرحلة السابقة، ولا إلى المراحل التي طبعت علاقات لبنان مع سوريا منذ العام 1943 إلى العام 1991 تاريخ 22 من أيار، عندما وقّع الجانبان اللبناني والسوري معاهدة الأخوة والتنسيق والتي أُنشئت بموجبها الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري في 16 آب 1993؟ وهل سيكون هناك إطار بديل ينظم تفاصيل العلاقة بين البلدين، أو سيجري الاكتفاء بالعلاقات الديبلوماسية بين البلدين وتعزيزها على نحو يعزز ما يجب أن يكون من تقيّد تام بقواعد السيادة والاستقلال؟
في أي حال، لن يكون هناك وضوح في الرؤية، لأنّ المنطقة مفتوحة على تطورات خطيرة تتجاوز حدود لبنان وسوريا إلى ساحات أخرى.
بالفيديو-شهادة حيّة على القوّة والإيمان …إعلامية لبنانية تقاوم المرض:” صرت عايشي عالمورفين ما بقا ينفع العلاج “
حلقة مؤثرة من بودكاست “أحاديث مع ريكاردو كرم”، حيث أستضاف الزميلة هدى شديد .
اكتشفوا جانباً جديداً منها لم تعرفوه من قبل، شهادة حية على القوة والإيمان والشغف الذي لا ينطفئ.
لوائح باسيل-الثنائي منتهية الصلاحية والالتقاء المنشود “وفق الواقع الجديد”
يشبه القصر الجمهوري في بعبدا واقع لبنان. فمنذ تدشينه في كانون الثاني 1969 في عهد الرئيس شارل حلو قُصف، تضرّر وأُعيد ترميمه مرات ومرات، وعانى من الشغور، وهو في الأيام هذه، ينتظر استقبال وافده الجديد، إذا ما اكتملت ظروف التوافق المنشود قبل التاسع من كانون الثاني 2025، لينطلق مسار إعادة ترميم المؤسسات واستعادة الثقتين المحلية والدولية بلبنان الدولة.
في الساعات الماضية، فتحت أبواب القصر أمام التجارب التقنية الإعلامية للنقل المباشر، بموازاة تحضيرات المراسم للاستقبال الرسمي للرئيس العتيد.
هي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك منذ الشغور الرئاسي في 31 تشرين الأول 2022. ربما لأنها المرة الأولى التي تبدو فيها ظروف انتخاب الرئيس أكثر نضوجاً، على وقع المساعي الداخلية والحركة الخارجية. ووسط معلومات عن أن المعنيين “بصناعة الرئيس” يلمسون أن مسار الأمور يؤشّر على جلسة انتخابية فعلية في التاسع من كانون الثاني المقبل. ويستعيد بعضهم في هذا السياق التجربة التي أوصلت سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة، بفارق صوت واحد، ليقولوا “إن الحراك السياسي الدائر جدّي، وكل طرف يحسب على القلم والورقة، الأصوات التي قد ينالها كل اسم من الأسماء المطروحة. وبنتيجة ذلك، تُستبعد الأسماء غير القادرة على حصد الـتأييد السياسي الكافي ليترجم أصواتاً مرجّحة في صندوق الاقتراع”.
في الأثناء، يتكثّف الحراك السياسي، مع تزايد الحديث عن أن “طريق إعادة الإعمار يمرّ ببعبدا”. بمعنى أنّ المجتمعين العربي والدولي، يجهّزان الاستثمارات في لبنان، ومن بينها أموال إعادة إعمار ما تهدّم في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، لكنهما لن يسلكا هذا المسار ما لم يتم انتخاب رئيس يتمتّع بالمواصفات التوافقية الإصلاحية المطلوبة، التي تتماشى مع مرحلة تطبيق وقف الأعمال العدائية ومستلزمات الـ 1701 والتحديات المقبلة.
وفي هذا السياق، تشير مصادر عين التينة لـ”نداء الوطن” إلى أن “رئيس مجلس النواب نبيه بري متفائل بإنهاء الشغور الرئاسي، وأن المهلة الفاصلة عن موعد الجلسة الرئاسية، كفيلة بصياغة تفاهمات بين الكتل النيابية، ترجّح الاسم الرئاسي”.
أين أصبحت المشاورات الدائرة؟
ينطلق العاملون على خط الالتقاء الرئاسي، من أن المطلوب “قراءة الواقع الجديد في لبنان والمحيط. لأن اختيار الرئيس يجب أن ينطلق من الاتفاق على مواصفات المرحلة لبنانياً وعربياً ودولياً. فإذا لم نتفق على أن هناك متغيرات نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار وما حصل في سوريا، ستبقى الأسماء المتداولة سابقاً، ويعاد تسويقها اليوم من خلال “حراك باسيل-الثنائي”، مطروحة للرئاسة. بينما المطلوب اليوم خامة مختلفة، فاللائحة القديمة “منتهية الصلاحية”. وبالتالي، فإن الحراك الدائر يأتي في سياق التوافق على أسماء تراعي الواقع الجديد”.
يؤكد العاملون على هذا الخط أن “الأمور قابلة للالتقاء، طالما أن أحداً لا يسعى إلى إلغاء أحد، وطالما أن المطلوب حصول تقييم مشترك”.
ويشرح أصحاب وجهة النظر هذه المسألة على الشكل التالي: “الطائفة الشيعية هي أكثر المتضرّرين من الحرب التي حصلت، وتنتظر إعادة الإعمار. وبالتالي، إذا لم يأت رئيس يعيد بناء الدولة وفق المواصفات المطلوبة عربياً ودولياً، فهل سنجد من يساعد على إعادة الإعمار”؟ويتابع هؤلاء “إذا كان الجواب أن لا إعادة للإعمار بلا رئيس مكتمل المواصفات، فالمطلوب الالتقاء على المواصفات المطلوبة”.
في غضون ذلك، تشير معلومات “نداء الوطن” إلى أن الاجتماع الذي ستستضيفه بكفيا بعد ظهر اليوم، يأتي في سياق خطوط التشاور المفتوحة بين مختلف مكوّناتها. “فالمعارضة اتفقت على الجلوس معاً لطرح الأسماء قبل أيام من جلسة التاسع من كانون الثاني، ومن يستحوذ على الأكثرية نمشي به”، بحسب مصدر نيابي معارض فاعل على خط الحراك الرئاسي، ويضيف “المطلوب تطبيق الديمقراطية ضمن المعارضة وفق المبدأ الذي حدّدناه”.
سباق رئاسي بين “تركيبة سلطة” و”مشروع دولة”
يتأكّد يوماً بعد يوم أن انعقاد جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل حتميّ، لكن خروجها برئيس للجمهورية ما زال غير ناضج. فالعاملون في الكواليس الرئاسية يؤكّدون أن النتيجة الإيجابية للمسار الرئاسي، تبقى رهن التوافقات التي يجب أن تحصل قبل الجلسة، فتمهّد لنجاحها. أما عدم النجاح في الشبك بين الكتل، فسيؤدي إلى خروج الجلسة الأولى من العام المقبل من دون رئيس.
يشرح أصحاب هذا الرأي المسألة على الشكل الآتي: سيترأس رئيس مجلس النواب الجلسة، ويوزّع أوراق الاقتراع، ويمرّر الصندوق أكثر من مرة. فإذا لم يجمع أي مرشّح 86 صوتاً في الدورة الأولى و65 صوتاً في الدورات الثانية أو الثالثة أو الرابعة التي ستلي، سيرفع الجلسة إلى موعد لاحق، لمزيد من المشاورات. فيضاف التاسع من كانون الثاني 2025 إلى روزنامة أيام الفراغ.
من هنا، يحضر وجوب تفعيل التواصل وسط معلومات عن أن غير المعلن من اللقاءات والاتصالات يفوق المتداول في الإعلام. حتى أن معلومات تشير إلى أن خطوط التواصل بين بعض العاملين على “الطبخة الرئاسية” شبه مفتوحة بشكل دائم.
مساران وهدفان
صحيح أن المراقب عن بعد يلحظ حراكاً متصاعداً للكتل والأحزاب والقوى السياسية، لكنّ التدقيق في هذه الحركة، يشير إلى أن النية ليست واحدة عند الناشطين فيها. لا بل أكثر من ذلك، إذ يشير المطّلعون إلى وجود خطّين في مقاربة المرحلة، الأول يتمثّل بما يقوم به النائب جبران باسيل، والثاني يتجسّد بما تسعى إليه المعارضة والمستقلون.
ويقول هؤلاء، “إن رئيس التيار الوطني الحر يتصرّف كما لو أنه عرّاب الرئيس العتيد، فيحاول إقناع ثنائي “أمل” و “حزب اللّه”، بأسماء لا تمرّ عند “المعارضة السيادية” في ضوء متغيّرات ما بعد وقف الأعمال العدائية ومستلزمات تطبيق القرار 1701. وهو بذلك يسعى إلى تركيبة سلطوية لا تختلف عن المحاصصات التي عانى منها لبنان، وأدّت إلى ما أدّت إليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً”. ويشرح المطلعون أن “هذه اللعبة لن تنطلي على المعارضة، وإن بدا أنها تستمع لباسيل وتلتقيه، لكنها لا تصدّق كذبته”.
في المقابل، يشير الناشطون على الخط الرئاسي من نواب المعارضة والمستقلّين إلى “محاولات جدّية للربط ما بين المعارضة والمستقلّين والثنائي، لا سيّما عين التينة، للإتيان برئيس توافقي بمواصفات المرحلة، قادر على استعادة الثقتين الدولية والمحلية بالدولة اللبنانية، من خلال مشروع إنقاذي يحترم القرارات الدولية ومقتضيات الدستور والتوازنات الداخلية، من دون نكايات أو إقصاء، أو غالب ومغلوب”.
لا سيّما أن الجميع بات على يقين بأن المجتمع الدولي ليس بوارد الاستثمار في لبنان ودعمه وإعادة إعماره “لتقف الدولة على رجليها من جديد”، ما لم يجد أن المؤسسات الدستورية، من رئاسة جمهورية وحكومة، تتوافق مع مستلزمات المرحلة.
من هنا، تشير المعطيات إلى أن “مرحلة الجد قد بدأت، وتفعيل التقارب بين مكوّنات الخط الثاني، سيسمح بجلسة انتخابية منتجة، يصفّق لها سفراء الخماسية والمجتمع الدولي، ويشعر معها اللبنانيون، ببارقة أمل، بأن حداً فاصلاً وضع بين ما كان، وما سوف يكون في الأشهر والسنوات المقبلة”.
في غضون ذلك، وبعدما سرت أخبار عن سلّة أسماء جرى بحثها في اللقاء الذي عقد بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي، من بينها المصرفي المقيم في الخارج سمير عساف، تقاطعت معلومات دبلوماسية من ضمن “الخماسية” على نفي ذلك، واصفة المسألة بأنها “صناعة المطبخ اللبناني” في سياق تسويق اسم، أو حرق آخر.
القرض الحسن نحو الإفلاس!
هكذا يمكن اختصار مشهد الذراع المالي لـ “الحزب” بعد أيام على إعلان، وُصف “بالوقح”، عن إعادة فتح فروع القرض الحسن في مختلف المناطق وكأن شيئاً لم يكن.
إذا عدنا إلى وسائل تمويل القرض الحسن على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة على “حزب الله” وشبكاته، نرى أن هذه الجمعية غير الشرعية تعتمد على وسائل غير تقليدية لإدخال وتهريب الأموال إلى لبنان وتبييض أموال “الحزب”.
الطريق الأول الاساسي هو عبر الحدود البرية مع سوريا، من خلال شبكات تهريب تمتد إلى مناطق أخرى مثل العراق وإيران. وهذا الطريق قطع بعد تطورات سوريا.
الطريق الثاني عبر تبرعات أو استثمارات خارجية تحوّل بطرق غير رسمية، ومن خلال شركات تجارية وهمية تستخدم واجهة لتحويل الأموال إلى لبنان عبر صفقات وهمية، ويتم ذلك غالباً انطلاقاً من دول ذات رقابة مالية ضعيفة. وهذا المنفذ أصبح دقيقاً في ظل رفع وتيرة الرقابة الدولية.
أما الطريق الثالث فعبر السوق السوداء والتحويلات غير الرسمية، وهذا الأمر لا يمكن أن يلبي كل الحاجات والمصاريف.
يبقى المطار والمرفأ، وقد وضعا تحت الرقابة الصارمة في إطار تنفيذ الاتفاق مع إسرائيل.
وهنا يسأل المراقبون: كيف سيمول القرض الحسن نفسه بعدما فقد أخيراً أيضاً مبالغ كبيرة في الاستهدافات الإسرائيلية؟
يتحدث الخبير الاقتصادي إدمون شماس عن تضارب المعلومات حول احتفاظ “حزب الله” بقدرته المالية. فبحسب الرواية الإسرائيلية، فإن المحفظة المالية النقدية لـ “الحزب” تضررت كثيراً خلال الحرب، والغارات الإسرائيلية أتلفت أموالاً طائلة ومجوهرات في مقرات القرض الحسن التي جرى تدميرها، ومخابئ الأموال والذهب منيت بأضرار كبيرة.
ويضيف شماس أنه يحكى عن أن أموال الترميم وبدلات الإيواء التي ستدفع ليست من أموال القرض الحسن بل هي أموال إيرانية وصلت حديثاً إلى “الحزب”. ومن الممكن أن إعادة افتتاح عدد من الفروع يقع من زاوية سعي “حزب الله” إلى طمأنة المتعاملين معه بشأن ودائعهم من الذهب وسلامتها، وربما إعادة تنشيط موارده.
ويتابع أن المعضلة الحقيقية هي في أن يتمكن المتعاملون مع مؤسسة القرض الحسن من استرداد حقوقهم كاملة في المدى المنظور، وأن لا يتعرضوا إلى خدعة شبيهة بما حصل لأموال المودعين في المصارف التجارية اللبنانية.
أما من الناحية القانونية، فإن مصداقية الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان أمام المجتمع الدولي على المحك. فهل ستبقى الحكومة في زمن أفول السيطرة الإيرانية مسلوبة القرار تاركة القرض الحسن تسرح وتمرح خارج إطار النظام المصرفي؟
ويسأل شماس: ألم يحن الوقت الآن بعد قبول “حزب الله” تطبيق شروط وقف إطلاق النار أن تلتزم حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي ومصرف لبنان برئاسة وسيم منصوري ويضعا حدّاً لدويلة “حزب الله” المالية؟
إذاً، وعلى هذا السؤال ننتظر جواباً رسمياً، ولكن بمعزل عن غيبوبة الدولة أمام الدويلة، مؤسسة القرض الحسن ومع شبه انقطاع الإمداد المالي، ستكون على طريق تصفية نفسها بنفسها، فهل تتجه قريباً نحو الإفلاس؟
هل سيصحّح المجلس الدستوري “تهريبة” مجلس النواب؟
شرّع مجلس النواب في جلسته الأخيرة على قياس أشخاص، بحسب أهل الاختصاص من قانونيين وقضاة. ومرر المجلس بما يشبه “التهريبة” تعديل المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 150، تاريخ 16 أيلول 1983، المتعلّق بالقضاء العدلي. وجاء التعديل على الشكل الآتي: “يمدد للأعضاء الذين انتهت ولايتهم ويستمرون للقيام بأعمالهم إلى حين تعيين بدلاء وحلف اليمين، مع مدة ستة أشهر من بينهم مدعي التمييز والمدعي العام المالي”.
يقول أهل الاختصاص، “إن من حضر الجلسة، لم يعرف من صوّت مع القانون ومن صوّت ضده. إذ أقرّ على عجل برفع الأيدي، من دون تأكيد حيازته على العدد الكافي من الأصوات لتمريره. وعند مطالبة النواب المعترضين أن يكون التصويت بالمناداة (أي بتلاوة اسم النائب فيجيب بالموافقة أو الاعتراض)، رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري ذلك، منتقلاً إلى البند التالي على جدول الأعمال”.
وقدّم اقتراح التعديل النائب علي حسن خليل. وبمجرد وضعه على جدول أعمال الجلسة، طرحت تساؤلات في شأن توقيته والغاية منه. ويتوقّف مرجع قانوني في هذا السياق، عند ما أسماه “سوريالية المشهد”، قائلاً: “إن خليل نفسه الذي ساهم، مع آخرين، بتعطيل عمل القضاء في قضية انفجار مرفأ بيروت، يشمّر عن زنوده ويقدّم اقتراحاً لتأمين استمرارية عمل القضاء. وقد فصّل التعديل على قياس المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم”.
ليس هذا الاتهام جديداً. ففي الجلسة التشريعية نفسها، وعند طرح الاقتراح، جوبه المعاون السياسي لبري من قبل أكثر من نائب بهذه الوقائع. فنفى وجود أي خلفية سياسية وراء اقتراحه، وشرح أن “ولاية مجلس القضاء الأعلى انتهت في 14 تشرين الأول 2024، ولا نستطيع ترك هذا الحسم من دون مجلس قضاء أعلى، وإلا ستتعطل كل الأعمال القضائية إلى حين تعيين بديل عنهم”.
لم يقنع هذا التبرير المعترضين. وعلى الرغم من ذلك، سلك القانون المقر طريقه من ساحة النجمة إلى السراي الحكومي، فأقره مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة. وقد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية وكالة عن رئيس الجمهورية. وأعطى ما حصل مؤشّراً الى أن “الطبخة السياسية” متفق عليها بين رئاستيّ الحكومة ومجلس النواب.
واليوم، ومع تحضير أكثر من طعن بالقانون، باتت الأنظار متّجهة إلى المجلس الدستوري لتفكيك هذا اللغم. وتوقفت مراجع قانونية ودستورية، عند البيان الذي أصدره رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وهو الأول من نوعه بالموقف والمضمون. وقد اتهم البيان مجلس النواب “بانتهاك مبدأ الفصل بين السلطات والتعاون والتوازن في ما بينها، ومبدأ استقلالية القضاء”، وأكد “ضرورة احترام مبدأ استقلالية السلطة القضائية، ووجوب تمتّع القوانين بصفة العمومية والتجريد، وإبعادها عن الطابع الشخصي”.
وردّاً على ما قاله مقدّم اقتراح التعديل، من أن غايته هو إنقاذ مجلس القضاء من الشلل، اعتبر القاضي عبود في بيانه أن “تعطيل عمل المجلس قد بدأ نتيجة امتناع السلطات المختصّة عن إجراء التعيينات اللازمة، وصولاً إلى تعطيل اجتماعاته عبر التدخلات الحاصلة في عمله، ما يجعل من القانون الجديد تمديداً للتعطيل في حال استمرّ الأمر على ما هو عليه”.
ماذا بعد؟ الأنظار تتجه إلى المجلس الدستوري الذي سيكون عليه، في الأيام المقبلة، النظر بالطعون. وتقول مصادره “إن قضاة المجلس ينتظرون الطعون، والصيغة التي أقر بها القانون، لمعرفة مدى مطابقتها مع الدستور”.
وفي هذا السياق، يقول رئيس مجلس شورى الدولة شرفاً القاضي شكري صادر لـ “نداء الوطن” إنه “إذا لم يقبل المجلس الطعن، لازم ينشحط”. ويضيف: “يجب وضع حد لمخالفة الدستور. فما حصل معيب، وكأن الوقاحة لم يعد لها حدود، وكأن التعدّي على القوانين والدستور مسألة لا عقاب أو رقابة عليها”.
ويجزم صادر بأن هذا القانون مخالف للدستور للأسباب الآتية:
“1- لا يمكن إقامة الموتى من القبور. بمعنى أن ما جرى هو تعيين جديد للمنتهية ولايتهم، وهو من صلاحية مجلس الوزراء لا مجلس النواب.
2- عدم استطلاع رأي مجلس القضاء العدلي كما تفرضه أحكام الفقرة (ز) من المادة (5) من قانون القضاء العدلي.
3- عدم جواز أن يكون التمديد شخصياً (la loi est générale et impersonnelle). فعندما يكون هناك قاضيان في المركز نفسه، لا يمكن التمديد لواحد من دون الآخر. وهو ما لم يحصل في حالة التمديد للمدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم”.
بناء على ما تقدّم، يطرح السؤال التالي: هل ستدخل السياسة في عمل المجلس الدستوري فتمنعه من إصدار قراره في مراجعات الطعون؟ أم سيترك للمجلس اتخاذ القرار المناسب وفقاً لمقتضيات الدستور والقانون؟
مانيفست ليُتلى ويُذاع
الأبد ليس أبدًا.
الأرض التي تحتنا، تهتزّ. أصنامٌ تدوخ. تتهاوى. آلهةٌ تمرض. تشيخ. تموت.
كوابيس الشرق الأدنى والخرائط على الطاولات.
بعد قليل، بعد برهةٍ وبرهتَين، يوضَع الشرق الأوسط برمّته تحت المجهر.
مَن قال إنّ ما يجري هو حقًّا يجري.
مَن قال إنّ سوريا بغمضة عين يصير فيها ما يصير.
ولبنان، ها الذي جرى منذ ثلاثة أشهر، ولا يزال يجري في لبنان، مَن قال. مَن قال.
وغدًا، أيّ غدٍ. وأيّ مصير.
في الهزيع الأخير من الليل، قبل الشروق، يُنتظَر الشروق. وللقهوة مع الفجر مذاقٌ خاصّ. وشروق.
والذين ينتظرون منذ أربعين عامًا، منذ خمسين، يجب أنْ يحقّ لهم ما يحقّ لهم. وأنْ يتنفّسوا قليلًا كثيرًا. أكثر من الكثير. وأنْ يخرجوا من القبور. ولمرّةٍ واحدة عن الأوقات والأزمنة والمرّات كلّها.
ها هو اللّامعقول معقولًا. ما لا يُصدَّق، يُصدَّق.
للتأمّل في العِبَر وحوادث الدهر ضروراتٌ مطلقة.
وليس الوقت وقت دمٍ وثأر. ولا وقت انفعالاتٍ وغرائز. ولا للكيد والتشفّي، ولا أيضًا لترّهات وسائل التواصل الاجتماعيّ.
ولا الوقت للظلاميّات والعنصريّات.
وأعترف بأنّه يستحيل على المرء أنْ يقول ما يعنيه بالضبط.
يستحيل.
كلّ ما يقوله الكائن، إنّما يقوله على وجه التقريب، عن الضفّة التي تنتظر النهر منذ أبدٍ ونيّف.
أمّا النهر، والجثّة التي ينتظرها النهر، فمسألةٌ أخرى. وهي مسألة المسائل.
أمامنا أيّامٌ صعبةٌ وماحقةٌ ومهلكةٌ، في لبنان، في سوريا، في الشرق الأدنى، وفي الشرق الأوسط.
حكّامٌ وأنظمةٌ كثرٌ يتحسّسون رقابهم والكراسي.
بعد يومٍ ويومين، ما يُعتقَد أنّه مستحيل الحدوث، قد لا يعود مستحيلًا.
لكن. ثمّ لكن.
يجب أنْ لا تهلكنا الأيّام الآتية، لأنّها صعبةٌ وماحقةٌ ومهلكة.
ويستحيل أنْ أقول ما أعنيه بالضبط. يستحيل.
كلّما حاولتُ أنْ أقول ما أعنيه، قلتُ الشيء الذي على مقربة، لا الشيء الذي أعنيه.
يحتاج المرء إلى كلّ ما يعتمل من قوى الاستشراف في وعيه، في اللّاوعي، في العقل، في العقل الباطن، في الحلم، في الخيال، في الهجس، في الحدس، ليقترب قوله ممّا يريد أنْ يعنيه.
ولا يستطيع.
كتب الشاعر أنسي الحاج في مستهلّ “الرسولة بشعرها الطويل حتّى الينابيع”: “ليكن فيَّ جميع الشعراء لأنّ الوديعة أكبر من يديَّ”. وهو يقصد وديعة الحبّ.
وكتب الشاعر الإنكليزيّ تي. أس. إليوت، “يستحيل عليَّ أنْ أقول ما أعنيه بالضبط”. فالقول لا يصل إلى المعنى، لأنّه شعرٌ خالص.
وإذا ثمّة مانيفست يُتلى ويُذاع، فيجب أنْ يكون هذا هو، مجلببًا بالعقول والأفئدة كلّها، وبرؤى العقلاء والفلاسفة والحكماء والشعراء أجمعين:
إنّما الأمور بالعقل. بضوء العقل. بالتروّي. بالحكمة. بالتنبّه. باليقظة. وتؤخَذ بالتبصّر. بالرؤيا. وبالاستشراف.
والخطأ لا يجوز. ولا الارتجال أيضًا. ولا سوء التدبير.
واليوم، وغدًا، في لبنان، يجب أنْ لا يرتكب أحدٌ خطأً، صغيرًا أو كبيرًا. ولا حتّى هفوة. ولا أيّ هفوة.
أكان المعنى المقصود هو الدولة والدستور والقانون والرئاسة والحرّيّة والتنوّع و… السلاح، أم كان سوى ذلك. وهو كثير.
وهذا هو المانيفست. ولا مانيفست سواه.
وهو ليُتلى. ويُذاع.