الى النيابة العامة، قرّر النائب إبراهيم كنعان اللجوء، لعلّه يوقف الحملة المنظمة التي رافقت إعلان استقالته من الإطار التنظيمي لـ”التيار الوطني الحر”، أو بالأحرى التي سبقت هذا الإعلان، وارتفعت في إطار تصاعدي، وصل الى ما سمّاه كنعان “عملية اغتيال معنوي”.
وفي الخبر الذي أورده على صفحته، قال كنعان حرفياً: “تستمر ماكينة الكذب والتحريض في نشر الأضاليل وتزوير الوقائع بهدف تشويه الصورة والحقيقة لافتقار القيّمين عليها للحجة والبرهان، على ما يدّعون من أكاذيب طالت مسيرتي السياسية والتشريعية والحزبية(…)، لذلك، سأقوم بمراجعة النيابة العامة لإجراء المقتضى والوصول الى الرأس المدبّر وأدواته لعملية الاغتيال المعنوي الدائرة، علماً بأن الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الحملة الحقيرة باتوا معروفين بالأسماء، وستتم ملاحقتهم قضائياً”.
الى هذا الحد، وصلت “المعارك” الداخلية في “التيار الوطني”، وقد وصف الهجوم على كنعان بأنه “الأعنف”، مقارنة بالنواب الثلاثة الأخرين الذين باتوا أيضاً خارج “التيار”، لا بل سبقوه.
ومن المفارقات التي سجّلت أن رئيس “التيار” النائب جبران باسيل سارع الى التعميم على الناشطين والمناصرين بوقف الهجوم على كنعان، وعدم التطرّق إعلامياً الى المسألة.
حرفياً جاء في تعميم “التيار”: “إن التيار غير معني بأي هجوم شخصي على النواب المستقيلين، ومن بينهم إبراهيم كنعان، بما في ذلك ما تم نشره عن حوالات مالية، وسبق لرئيس التيار شخصياً أن شدد علناً على ذلك، وأعطى توجياته لعدم تناول أي أحد في الجانب الشخصي (…) إن ما يعني التيار في هذه المسألة هو المخالفات التي ارتكبها النواب”.
الصورة الرئاسية
أتى هذا “التعميم” متأخراً، بنظر الأوساط المراقبة، بعدما ارتفعت وتيرة الحملة على كنعان، إلا أن الأوساط تصف الحملة “بالمنّظمة والغبيّة”، لأن أمام كل موقف تستخرجه قيادة “التيار”، ثمة أكثر من مستند وتاريخ وملف ووقائع، بالصوت والصورة أحياناً، قد يبرزه كنعان، و”الارتباك” الذي أصاب البعض كان السبب وراء الإيعاز بوقف الحملة والتهجم.
وإن “التورّط” إذا صح، فلا شك أنه ينسحب على كثر من داخل الإطار التنظيمي للحزب، وستكرّ السبحة الى منحى قد لا يتوقعه البعض.
ليس غريباً أن تتعدد الخلفيات وراء عملية “الإقصاء” لفريق معيّن من نواب “التيار”، سبقها خروج آخر لعدد من الكوادر والناشطين، فالمسار الزمني للحزب دلّ، على مرّ الأعوام، على أن ثمة العديد من المطبات التي ستوصل حتماً الى طريق مسدود.
ولا يخفي مراقبون أن “هذا التخبط والانشقاقات يدلان على إفلاس كبير، بعدما فرغ الرصيد من محتواه، وأكثر ما يهشّم الصورة الحزبية هو إدخال الرئيس ميشال عون الى قلب المعركة، من منطلق التوريط بهدف الإنهاء، فتكون المحصّلة حرق الإطار الحزبي ككل”.
وإن كان تعميم “التيار” ميّز بين الشخصي “والمخالفات”، فإن عملية “تدمير صورة من كان في أساس “التيار”، لا شك في أنها ستوصل بشظاياها الى أكثر من جهة وفريق، ولن تنحصر بحرق صورة عدد محدود من النواب المستقيلين.
ولا تنفي الأوساط أن “هناك خلفية رئاسية في ذهن البعض، مما يضاعف العامل التدميري لصورة من بات خارج “التيار”، ولا سيما أن من بين النواب المستقيلين من “تُزّكى” أسماؤهم، بين الحين والآخر، لرئاسة الجمهورية”.
سقف بكركي الوحيد
في المقابل، باتت الأضواء اليوم تسلّط على النواب الأربعة المغرّدين خارج “التيار”، وعلى التحرك الذي يُفترض أن ينسجوه، من ضمن عناوين سياسية عدة تكاد تختصر الساحة اللبنانية، إذ لا يمكن أن يبقوا بعيدين عن الخط السياسي – الاقتصادي لبلد يغلي بأزماته، لا بل بفراغه المدوّي مسيحياً أولاً.
وفق معلومات “النهار”، إن الإطلالة الأولى المنسّقة للنواب ستكون يوم الخميس المقبل ومن بكركي بالذات، إذ سيلتقون البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي سيستبقيهم الى مائدة الغداء.
بالتأكيد، سيشرح النواب وجهات نظرهم، والمسار الذي أوصلهم الى حدّ الطلاق والانفصال عن البيت الحزبي.
وفي قراءة لهذه الخطوة، فإن النواب الأربعة أرادوا “الإطلالة من موقع بكركي للقول إنهم تحت سقف بكركي وحدها”، بعدما تعددت التأويلات والتحليلات في تصنيف موقعهم السياسي الحالي، وتحديد تموضعهم، إذ يكثر الحديث عن إنشاء كتلة نيابية جديدة تضمّهم الى عدد من النواب الآخرين، وخصوصاً أن “معارك” مقبلة قد يضطرون الى خوضها قريباً، في المطبخ التشريعي الداخلي لمجلس النواب، إن كان عبر هيئة مكتب المجلس أو اللجان النيابية، التي ستجدد لنفسها بعد نحو شهر.
فالاستحقاقات ستبدو داهمة أمام النواب، لئلّا نقول الامتحانات أو الاختبارات، وحتى تحين الساعة، “فالماكينة الإعلامية التدميرية” ستحاول مضاعفة نشاطها، فأيّ تحرّك مضادّ سيكون بالمرصاد؟
لا شك في أن من أمضى نحو 16 عاماً على رأس لجنة المال والموازنة، وشرّح ملفات “حتى الرمق الأخير”، باعتراف الخصوم قبل الحلفاء، لديه ما يقوله وأول الغيث كان اللجوء الى القضاء!