قدّم النائب نعمة افرام مداخلة تقنيّة خلال مناقشة الموازنة أمام الجلس النيابيّ، عارضاً المشاكل الأساسيّة التي تواجه اللبنانيين، وراسماً أطر الحلول لها، في مشاريع تضاعف من مداخيل الدولة وتعزّز أكثر الحماية الاجتماعيّة .
في المعوّقات، تحدث افرام عن ثلاث قنابل موقوتة، تتمثّل في المعاناة القاسية على المواطنين منذ الانهيار، النزوح السوريّ، وانهيار مؤسّسات الدولة، فقال: بداية، كان يجب أن نكون مجتمعين اليوم لإنتخاب رئيس للجمهورية. هذه المسؤوليّة أوكلتها إلينا أجيال سبقتنا وهي سلّمتنا بلداً نراه اليوم ينهار ويزول أمام أعيننا.
نحن هنا اليوم لأنّ بين يدينا الأمانة الأخيرة، وهم المواطنون الذين يموتون ويعانون من جرّاء الانهيار منذ 4 سنوات، وأنفاسهم باتت معدومة في كلّ يوم نتأخرّ فيه عن إيجاد الحل.
يضاف الى هذا الواقع قنبلة موقوتة ثانية تتمثل في الوجود السوري في لبنان والتزايد الكبير في أعداد السوريين، حيث أنه هناك سنويّاً ما بين 60 الى 80 ألف طفل سوري يولدون في لبنان. ومع كل محبّتي وتضامني مع كلّ شخص سوريّ موجوع، كلّما تأخّرنا في معالجة هذه المشكلة، تفاقمت وباتت مرضاً يقتل هذا البلد.
أما المشكلة الثالثة التي دفعتنا إلى حضور هذه الجلسة، فهي مشاهدتنا مؤسّسات الدولة تنهار أمام أعيننا إلى غير رجعة.
الخطة الخمسيّة
إزاء هذه الوقائع المرّة، يجب أن ننظر إلى الموازنة الموجودة بين أيدينا اليوم ليس بشعبويّة إنّما بنظرة تقنيّة، وأن نخلق من اليوم فصاعداً زمن “الخطة الخمسية” التي يجب أن تضعها الحكومة ضمن موازنتها سنويّاًّ. في هذا الاطار، لا يجب أن نضيّع فرصة الاستفادة من الأزمات والكوارث لإحداث تغييرات وتعديلات جوهريّة، لأنّ الوجع يجب أن يولّد فرصاً، والانهيار الذي حصل في لبنان يجب أن يكون حافزاً لوضع عرفٍ جديد.
النقطة الأولى في هذا العرف يجب أن تكون الامتناع عن إنتاج موازنات فيها عجز، ونحن وصلنا إلى عجز بنسبة 10 في المئة من الناتج القوميّ بدأ بنسبة 1% وتابع بالتزايد ما أدّى الى الانفجار.
ومن الأمور الذي يجب أن نتعلّمها من الانهيار الذي حصل، هي ضرورة وضع خطة ورؤية للسنوات الخمس المقبلة. وتعلّمنا أيضاً أن الدولة غير كفوءة في إدارة أصولها، لذا يجب أن نبحث في كيفية إدارة الأصول اللبنانيّة بعيداً من التجاذبات السياسيّة والتي كانت في أساس الانفجار الماليّ. فعندما كانت مؤسّسات الدولة تخسر سنويّاً في قطاع الكهرباء، كانت تعمد إلى الاستدانة من البنك المركزّي أو القطاع الخاص بواسطة المصارف لتغطية هذا العجز، وهو ما أوصلنا إلى هذا الوضع.
شخصياًّ، سأصوّت لصالح هذه الموازنة بعد العمل الذي تمّ عليها، لأنها نقطة انطلاق يمكن البدء منها للعمل الجدّي. فموازنتنا كانت بـ15 مليار دولار قبل الانهيار، وتراجعت إلى أقل من مليار في السنوات الأخيرة .أما اليوم فالموازنة تلحظ 3،3 مليارات، ولو لدينا خطة خمسيّة أتمنى أن أراها تصل الى 10 مليار مع رؤية متكاملة.
أهمية هذه الموازنة اليوم أوّلاً أن حوالى 30% منها ذهبت إلى الشؤون الاجتماعيّة وهو موضوع عزيز جدّاً على قلبي. وثانياً انها أعطت 500 مليون دولار للرواتب رغم أنني أرى أن هذه النسبة لا تزال متدنّية ويمكننا أن نرفع الرواتب من 7 الى 10 أضعاف من خلال زيادة 200 مليون دولار، ولديّ خطة لذلك.
الأمر الثالث تخصيص 10% اي حوالى 300 مليون دولار توظيفات وصيانة وهي نسبة قليلة ولكن هذا المتوفر.
التعزيز بمداخيل أضافية
بالنسبة إلى كيفيّة تعزيز الخزينة بمداخيل إضافيّة، لتصرف على النواحي الذي تعزّز الوضع الحياتيّ والمعيشي للمواطنين من العاملين في القطاع العام والأسر الفقيرة، تجدر الملاحظة أنّه وللأسف، عُدنا بعد الانهيار المالي إلى ما كنّا عليه قبله من ناحية الاستيراد، حيث أننا نستورد بقيمة 19 مليار دولار، أي أننا بلد استهلاكي بامتياز، فيما يجب أن نحوّلها إلى إنتاجية.
الملفت أنّه من أصل الواردات التي تصل الى 19 مليار دولار ، هناك 8.5 مليار غير خاضعة لضريبة TVA بينما الـ 10 مليار التي تخضع للـTVA تأتي بايرادات مليار دولار. كان يجب أن تحصّل أكثر من 1.8 مليار دولار أي هناك 800 مليون دولار ضائعة اليوم، وهو مؤشر لحجم الاقتصاد غير الشرعيّ في لبنان.
حان الوقت حتى تعالج الموازنة وضع موظفي الدولة والأسر الفقيرة في لبنان، وذلك قد يحصل من خلال فرض الـTVA على الـ8.5 مليار دولار التي تدخل لبنان وهي معفيّة من الضرائب.
السوريون يستهلكون في لبنان ولا يدفعون الضرائب، وإذا وضعنا ضريبة نسبتها 5 % على المواد المستهلكة يمكن أن نحصّل من النازحين السوريين 800 مليون دولار جديدة، وهذا المبلغ نستعمل نصفه لندفعه إلى الأسر اللبنانيّة الأكثر فقراً بتزويد بطاقة أمان بمبلغ كبير، فندفع أكثر من 300 دولار شهرياًّ لكلّ عائلة محتاجة.
من ناحية أخرى، هناك المولّدات التي تنتج سنويّاً بقيمة 6 مليار دولار. هناك حوالي 2600 مولد يعمل ما يقارب 15 ساعة في اليوم، لأنّ شركة كهرباء لبنان تؤمّن 4 ساعات فقط، وفي حال افترضنا ان المنازل كافة تعتمد على الطاقة الشمسيّة، فهذه تؤمن 5 ساعات إضافيّة، فتصبح قيمة البيع لدى أصحاب المولّدات 6 مليار دولار من دون دفع أيّ ضرائب على هذا المبلغ. فالضريبة اليوم هي فقط مليونين ونصف دولار، لأنّ الموازنة فرضت ضريبة عليها بقيمة دولار على الـKVA الواحد ؟! أقترح أن نضع عليها بدل الدولار الواحد عشرة دولارات، وبهذه الطريقة نحقّق مكاسب تصل إلى 26 مليون دولار هذه السنة، وفي الموازنة القادمة نضع عليها 5% ضريبة على المبلغ المباع ونحصل 300 مليون دولار أخرى.
صندوق تثمير أصول الدولة
افرام أشار الى وجوب الإنتهاء من خطة التعافي المالي، من خلال إنشاء صندوق تثمير أصول الدولة اللبنانيّة التي لم تحسن الدولة استثمارها، وأن نقوم بثورة مالية من خلال بعض مؤسّساتها التي يمكن أن تحقق أرباحاً عالية.
من المشاريع التي يمكن تنفيذها هي إنشاء جزر في لبنان على مساحة لا تتعدى المليوني متر من دون المساس بالشاطئ، والتي قد تدرّ 50 مليار دولار على الاقتصاد خلال 10 سنوات. وهي أموال تذهب إلى صندوق تثمير الأصول، ومن خلالها يمكننا أن نعيد أموال المودعين.
استعادة أموال المودعين
في تثمير الأصول نستطيع أن نصيب ثلاثة عصافير في حجر واحد: أولاً إعادة أموال المودعين، ثانياً رفع مستوى الخدمات للمواطنين وثالثاً إبعاد السياسة عن إدارة الدولة اللبنانية.
التفتيش المركزي يجب أن يكون حجر الزاوية من أجل الإنطلاق نحو حكومة الكترونيّة ومن أجل تطوير الإدارة في لبنان، ضمن معايير وضوابط واضحة ودقيقة.
حرام هذه الأزمة التي قضت على طموح أجيال في لبنان، حرام أن تذهب سدى دون أن نتعلّم منها.يجب أن نكوّن من الانهيار أمثولات نضعها على شكل قوانين، لنتفادى تكراره مرة أخرى.
التوصيات:
في الختام، رفع النائب افرام خلاصة توصياته للموازنة على الشكل التالي:
التفتيش المركزيّ هو حجر الزاوية نحو حكومة الكترونيّة وإدارة حديثة.
وضع ضريبة TVA 5% على المواد المعفاة اليوم، التي يمكن أن تحصّل من النازحين السوريين800 مليون دولار.
إضافة ضريبة 10 دولار للـKVA على المولّدات لتؤمّن مكاسب تصل إلى 26 مليون دولار هذه السنة. وفي الموازنة القادمة نضع عليها 5% ضريبة على البيع ونحصّل 300 مليون دولار أخرى.
إستعمال قسم من العائدات الإضافيّة السابقة لتمويل رفع رواتب القطاع العام من 7 الى 10 أضعاف، والقسم الآخر لدعم بطاقة أمان للمواطن بـ300 دولار لكلّ عائلة لبنانيّة محتاجة.
وضع صندوق تثمير الأصول في صميم خطة التعافي المالي.
إعداد رؤية الموازنة الخمسيّة من قبل الحكومة.