في منتصف ليل 24-25 من المتوقّع أنْ تولد. مثلما دائمًا تفعل منذ ألفين وثلاثة وعشرين عامًا. لا بدّ من ذلك. لا مفرّ. وستولد.
أنا الغبار السخيف، لن أستطيع أنْ أغيّر حرفًا في كلام هذا الوعد والموعد. لا تأجيلًا، ولا تقديمًا، ولا إعادةَ نظر، ولا أيضًا إلغاءً، على أبعد تقدير.
لكنّي، بصفتي الشخصيّة المذكورة أعلاه، باعتباري هذا الغبار السخيف، أطلب منكَ أنْ لا تجيء.
أتوسّل إليكَ، بيأسي وضعفي وصدقي وفظاظتي وجلافتي وشجاعتي الأدبيّة، وصداقتي، وبعينيَّ الشاهدتَين؛ أنا الغبار السخيف، أتوسّل اليكَ، أنْ لا تأتي. وأنْ لا تفكّر بعد الآن في المجيء. وبالثلاث.
فالمسألة كلّها، صارت عبثًا بعبث، وهباءً بهباء، من بشارة الملاك إلى حجر القيامة مزحزَحًا.
غلطٌ بغلطٍ فادحٍ ماحقٍ هي، بعدما باتت، على أيدي الأمم، وأهل البيت، وأولاد العمّ، والأعداء، والأحباب، والمريدين، ولابسي الأرجوان، وسرّاق الهيكل، مهزلةَ المهازل ومأساة المآسي.
الحقَّ الحقَّ أقول لكَ، لا أحد – تقريبًا – من صنّاع الأقدار والمصائر في الكوكب الأرضيّ، عاد يعنيه مجيئكَ الخلاصيّ في هذه الأزمنة الكالحة.
لا في بيت لحم، ولا في الجوار، ولا أيضًا في أرجاء المعمورة، وإنْ في البعيد القصيّ البعيد الذي يلي كلّ واقعٍ وكلّ خيالٍ، والذي يلي ما يلي.
أحقًّا تريد، بعدُ، أنْ تأتي؟ ألم تيأس من المجيء؟ ألم تضجر من الجلجلة؟
وهذه الحصيلة الدمويّة الأبديّة الفاغرة، ألم تقنعكَ بوقف تكرار المحاولة صعودًا إلى الفردوس الأبويّ، ثمّ العودة منه إلى جهنّم الأرضيّة؟
ليس من باب التطاول والاستخفاف والهزء – حاشا – ولا خصوصًا من باب التجرّؤ الانتهازيّ الماكر الخسيس، ما أخطّه إليكَ. صدِّقْني. أتوسّل أنْ تصدّق.
أتريد تقريرًا مفصّلًا بما هو عليه الواقع الفعليّ “على الأرض”؟
أحقًّا لا “تؤمن” بفظاظة اعترافي، وبهذا الصدق؟
أحقًّا تريد تقريرًا بالموت الأرضيّ العميم الذي يليه موتٌ عميمٌ، فموتٌ، فطاحونةٌ، فحلقةٌ مفرغةٌ، فوعدٌ بالمجيء والجلجلة والقيامة؟
أتريد أنْ تضع يديكَ في موضع الجروح والمسامير، يا توما، لتصدِّق؟!
خذ فلسطين مثلًا، أرضكَ الأمّ.
خذ لبنان الجليليّ هذا، متّكأ قلبكَ وحلمكَ وسرير غفلتكَ.
أتريد براهين أخرى، معزّزةً بالأرقام والوقائع والوثائق؟
لا بأس. لا بأس. قلْ لمبعوثكَ بابا نويل الذي يجول الأصقاع، أنْ يفيدكَ بالبراهين. براهينه مثل الشمس الشارقة.
من الأخير الأخير، والحقَّ الحقَّ أقول لكَ، إنّ الأرض لا تستحقّ مجيئكَ، ولا البشر، ولا الأمم.
وأقولها لكَ: لا تحضر حالًا.
معارضةً لما كتبه لكَ أنسي الحاج، ابنكَ الحبيب، في أحد الأيّام.
صحيحٌ، على قوله، أنّ “الأرض التي أنجبتكَ خربانة”، وأن “الجيران متدهورون”، وأنّ “روما الحديثة مسعورة وبيلاطس ملايين ويهوذا الإسخريوطي قوانين والرسل الاثني عشر أفلسوا”، و”الأمم مجنونة وبلهاء والشعوب مسحوقة وغبيّة والزعماء يقتلون ويعبدون أنفسهم” .
صحيح جدًّا، بل أكثر من صحيح. لكنّ مجيئكَ وفق معادلات البشارة والجلجلة والقيامة، والأناجيل، لم يعد يجدي نفعًا.
ربّما بات لا مفرّ من دينونة. ومن قيامةٍ أخيرةٍ أخيرة.
صدِّقني، أنا الغبار السخيف.
فكِّرْ فيها.
لا من أجلكَ فقط، بل خصوصًا من أجل الموعودين بالخير والحبّ والسلام.