مساء أول من أمس تحدّث الأمين العام لـ”حزب الله” للبنانيين عبر شاشة “المنار” فكان صريحاً كالعادة، وتحدّث بتفصيل غير مملّ عن الوضع الداخلي اللبناني وفي مقدّمه الشغور الرئاسي، وشدّد مرةً جديدة على ضرورة ملئه، كما جدّد دعوته الى الحوار ولكن حول ملء الشغور فقط. ونفى أن يكون لدى حزبه وحلفائه أي هدف آخر من الحوار وانتقد خصومه بل أعداءه لاتهامهم إياه و”الحزب” بمحاولة استخدام الحوار لتعديل الصيغة اللبنانية التي أرساها اتفاق الطائف ولتمكين الطائفة الشيعية التي ينتمي إليها من تعزيز دورها ومواقعها داخل النظام اللبناني. لكن رغم ذلك لا بد من إلقاء مزيد من الضوء على الاستعصاء الرئاسي من خلال إطلاع اللبنانيين على أمرين تناولهما السيد نصرالله في كلامه المتلفز أول من أمس، ولكن من دون التطرّق الى تفاصيل عدّة مهمة. الأول زيارة الموفد الفرنسي الجديد للرئيس ماكرون جان إيف لودريان لبنان وما حمله معه الى قيادة “حزب الله”، والجواب الذي قدّمه له الأخير على مواقفه وأسئلته المتعلق معظمها بملء الشغور الرئاسي والحوار. أما الثاني فهو عودة “الحوار” بين قيادة “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل حول الاستحقاق الرئاسي.
عن الموضوعين تحدّث متابع من قرب لـ”حزب الله” وحركته في الداخل اللبناني كما مع الخارج قال: “أتى لودريان الى بيروت وهو على شبه اقتناع بأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية سيتأخر، كما أنه سيتخذ منحىً جديداً مختلفاً. فمرشّح “الثنائي الشيعي” للرئاسة سليمان فرنجية قد يسحب ترشيح نفسه لها الذي أعلنه قبل مدة والذي أعلنه أيضاً طرفا “الثنائي” المذكور أي “حزب الله” ورئيس “أمل” ومجلس النواب نبيه بري. وهذا أمرٌ كان في ذهن الموفد الفرنسي لودريان، أو أن “الثنائي” هذا قد يسحب ترشيحه له. الدافع الى ذلك في رأي لودريان قد يكون أن فرنجية لم يبلِ بلاءً حسناً في الجلسة الأخيرة الـ12 التي عقدها مجلس النواب لانتخاب رئيس للبلاد وأنه تالياً غير قادرٍ على الفوز. ردّ “حزب الله” على ذلك بإبلاغ لودريان أن ذلك ليس صحيحاً، وبأنه متمسّك بفرنجية مرشحاً الآن أكثر من أي وقت مضى. برّر ذلك بالإشارة الى أن نوابه ونواب حليفته “أمل” وضعوا في الجلسات الـ11 السابقة التي انعقدت لملء الشغور الرئاسي أوراقاً بيضاء، وأن الجلسة الأخيرة أي الـ12 هي الأولى التي اقترع فيها هؤلاء النواب الـ27 للمرشّح سليمان فرنجية الذي نال عند انتهاء التصويت 51 نائباً كان بينهم سنّة ومسيحيون لم يضغط أحد عليهم للتصويت على هذا النحو. أما منافسه المدير المهم في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور فقد نال 59 صوتاً. علماً بأن مرشِّحيه أو بالأحرى الذين تقاطعوا رغم خلافاتهم على ترشيحه كانوا يظنون بثقة أنه سيحصل على 65 أو 67 صوتاً الأمر الذي يجعله رئيساً بحكم الأمر الواقع، ويدفع الى ضغط الخارج على الداخل اللبناني لانتخابه رسمياً في جلسة أخرى متوافرٍ نصاب الثلثين فيها، ومتوافر في الوقت نفسه نصف عدد النواب زائداً واحداً كي يفوز في الجلسة الثانية. لهذا السبب اعتبر “حزب الله” وضع المرشح فرنجية جيداً واستمراره في معركته الرئاسية ضرورياً لأن نواباً آخرين قد ينضمّون الى قاعدته الصلبة. كما لأن عدد مؤيّدي أزعور من النواب قد ينخفض لأسباب متنوّعة أبرزها ربما اقتراع نواب “اللقاء الديموقراطي” الثمانية بورقة بيضاء في أي جلسة مقبلة من جرّاء تحوّل أزعور مرشّح تحدٍّ مثل المرشّح الأول ميشال معوّض، فيضطره ذلك الى الانسحاب الفعلي والرسمي”.
تابع المتابع من قرب نفسه لحركة “حزب الله”: “ليست السعودية مع المرشّح سليمان فرنجية لكنها لا تضع “فيتو” عليه أو على أي مرشّح آخر. طبعاً أتى لودريان الى بيروت باقتناع مفاده أن الصيغة السابقة التي اقترحتها فرنسا لملء الشغور الرئاسي بسليمان فرنجية وللتخلص من حكومة تصريف الأعمال بتأليف حكومة جديدة برئاسة الدكتور نواف سلام قد انتهت صلاحيتها إذا جاز التعبير. وهو حاول وسيحاول البحث عن مرشح ثالث للرئاسة. كما أنه تحدّث عن حوار قال بري إنه لن يترأسه بل سيشارك فيه إذا انعقد لأسباب شرحها أكثر من مرة، وافترض أن يشمل البحث فيه موضوعات أخرى غير الانتخابات الرئاسية. لكن “حزب الله” أبلغه أن الحوار الآن إذا تم فسيقتصر فقط على ملء الشغور الرئاسي. وبرّر ذلك باتهام المسيحيين والسنّة وغيرهم إياه بالسعي الى تغيير “الطائف” أي الصيغة والنظام أو تعديلهما، وهو ليس في هذا الوارد… الآن. وقد أسهب السيد نصرالله في الحديث عن هذا الأمر في إطلالته التلفزيونية الأخيرة”.
ماذا عن العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وتحديداً رئيسه جبران باسيل؟ أجاب المتابع من قرب نفسه للأول: “لم تنقطع العلاقة بين الاثنين رغم الحملات الشديدة وغير الصحيحة التي شنّها الثاني ومؤيّدوه على الأول. وكان الحاج وفيق صفا ولا يزال الوحيد المكلّف الاستمرار في الاتصال رغم أن مهمته لم تكن سهلةً لاعتبارات كثيرة. ويبدو أنها حقّقت خرقاً مهماً على ما أكد السيد نصرالله مساء أول من أمس. لكنه لم يتناوله بتفصيل. والمعلومات المتوافرة تشير الى أن باسيل استجاب لطلب قدّمه له “السيد” منذ البداية وهو وضع لائحة بأسماء يقبلها للرئاسة يكون فرنجية من ضمنها. وقد فعل ذلك أخيراً بعد رفض استمر أشهراً. لماذا فعل باسيل ذلك؟ وهل يصل المرشّح سليمان فرنجية الى مرحلة من القرف تدفعه الى التخلي عن الترشّح للرئاسة إذا استمرّت سلبية باسيل والآخرين تجاهه؟