في ما يأتي، تعميمٌ انتخابيّ – وطنيّ – سياسيّ، هو التعميم الأخير، على كلّ الأحرار والثوّار والاعتراضيّين والتغييريّين والاستقلاليّين والسياديّين، في الدوائر الانتخابيّة كافّةً، لمواجهة الحلف الجهنّميّ الحاكم.
أوّلًا: إلى الممتنعين عن التصويت والمتردّدين وأصحاب خيار الورقة البيضاء
تناهى إليَّ أنّ بعضهم لا يريد أنْ يشارك في العمليّة الانتخابيّة.
أحترمُ كلّ الخيارات، ومنها هذا الخيار، على رغم أنّي أعتبره خيانةً عظمى.
لي مع الممتنعين هؤلاء بعضُ كلام.
بسهولة، بسرعة، وأمام “التباشير” الأولى لكلّ مشقّة، وقبل أنْ يعدّوا إلى العشر(ة)، يرفع بعضُ الناس العشر(ة)، ويصرخون قائلين: نحن في جهنّم. ولا خلاص في الانتخابات. وليس في اليد حيلة. رِكابُ بعض الناس “تسكّ” من المواجهة الأولى (بل قبل حصولها)، فرائصُهُم ترتعد، أنفاسُهمُ تضيق، وليسمح لي هؤلاء بالقول إنّ عقولَهُم تتوقّف عن الفرز.
هؤلاء الناس بدّهن (يريدون) اللقمة توصَل ع التمّ (الفم)، وبالكاد يفتحون أفواههم لتلقّف هذه اللقمة. بالكاد. وأحيانًا، بل في أحيانٍ كثيرة، يريدون اللقمة بدون أنْ يفتحوا أفواههم. فليفهِّموني كيف؟ وليعلِّموني كيف يمكن لهذه الشغلة، ولكلّ شغلةٍ صعبة (كشغلة التغيير)، أنْ تصل على الهينة. أريد أنْ أفهم، وأنْ أتعلّم.
لكنّهم في الغالب، وبدون تعميم، لا يستطيعون أنْ يفهِّموكَ شيئًا، ولا أنْ يعلِّموكَ شيئًا. يريدون الحصول على كلّ شيء، بدون أنْ يحرّكوا (…) أقفيتهم. يريدون التغيير ملفوفًا ومزيَّنًا كعلب الهدايا، وواصلًا إلى تخوتهم وأسرّتهم، وكراسيهم الهزّازة، على طريقة service a domicile.
أعرف جيّدا أنّهم ضاقوا بالوضع القائم، وباتوا من جرّاء هذه السلطة الغاشمة (القديمة والمتجدّدة والمستجدّة)، باتوا على الحضيض، فقراء، معوزين، منهوبين، مسروقين، جياعًا، مرضى. دولارهم بسبعٍ وعشرين ألف ليرة (طلوعًا)، ولا يملكون سوى أنْ يقولوا لكَ: فالِج ما تعالج. لا حياة لمَن تنادي. على مَن تُلقي مزاميرك يا (ابن) داود؟ إلى عباراتٍ يقينيّةٍ مُحبِطة كثيرة من هذا القبيل. وإلى آخر المعزوفة.
لكأنّني – أنا عقل بن داود العويط – لا أعرف أنّ من المستحيل معالجة هذا الفالج الذي هو هذا العهد، وهو “اتّفاق مار مخايل” (ترى، بين مَن ومَن؟!)، بل هو أيضًا وخصوصًا هذه السلطة الحاكمة (القديمة والمتجدّدة والمستجدّة)، بالأفكار العقيمة والخطط السقيمة والشعارات الفضفاضة والمجموعات المتناحرة والصفوف الممزّقة والأنوات المنتفخة والعنتريّات والخطابات الفهلويّة الفارغة وأوركسترا النقّ والعويل والبكاء والرثاء والسكوت والقبول بالأمر الواقع.
لكأنّني لا أعرف أنّ إجراء الانتخابات في ظلّ القانون الحاليّ، وفي عهدة هذه السلطة، هو جريمةٌ نكراء ضدّ الديموقراطيّة، وضد الدولة، وضدّ الدستور، وضدّ الحرّيّة، وضدّ حرّيّة الرأي والاختيار والقرار، بل جريمة ضدّ الانسانيّة مطلقًا.
لكأنّني لا أعرف أنّ من المستحيل وضع حدّ لمفاعيل “اتّفاق مار مخايل” (والاتّفاقات المخزية الأخرى)، إلّا بإسقاط “اتّفاق مار مخايل” (والاتّفاقات المخزية الأخرى)، وإلحاق الهزيمة الانتخابيّة والسياسيّة النكراء بطرفَي الاتّفاق (و/أو أطرافه).
أجدني أقول إنّ الشيء مع الانهزاميّين المستسلمين، متى زاد نقص.
يقولون إنّهم يريدون إسقاط الحكم والحكومة، ودحر الاحتلال الإيرانيّ (والسوريّ)، ويتمنّون (افتراضيًّا) الفوز في الانتخابات وتغيير المعادلات في مجلس النوّاب، ويريدون (كمان) استعادة أموالهم المنهوبة، ومحاكمة الفاسدين، بدون أنْ يذهبوا حتّى إلى صناديق الاقتراع.
أكثر من ذلك: يريدون تقريعكَ، والاستهزاء بكَ، والنيل من إرادتكَ، ويريدون مجادلتكَ بالجدوى واللّاجدوى، بل يريدون أيضًا محاسبتكَ لأنّكَ لا تستسلم مثلهم، ولا تسكت مثلهم، ولا تيأس مثلهم.
ألا يعلم هؤلاء الناس أنّي أنا نفسي، بشحمي ولحمي، يائسٌ حتّى يطلع زهر اليأس ويفرّخ من نافوخي؟ ألا يعلم هؤلاء الناس أنّي أنا أيضًا فقيرٌ مثلهم، وأنّ معاشي لا يساوي مصروف خمسة أيّام متقشّفة في الشهر؟ ألا يعلمون أنّي مخنوقٌ ومحشورٌ مثلهم، وليس بيدي حيلةٌ مثلهم، وعارفٌ مثلهم أنّ الوضع فالج لا تعالج، وأنّ لا حياة لمَن أنادي؟
عندي علمٌ بهذا كلّه، لكنّي أرفض أنْ أسكت.
أرفض أنْ أكون يائسًا، وقانعًا بيأسي، وموقِّعًا وثيقة استسلامي لهذه السلطة الغاشمة (القديمة والمتجدّدة والمستجدّة)، ولمفاعيل “اتّفاق مار مخايل” (والاتّفاقات المخزية الأخرى)، ومتفرّجًا في الوقت نفسه على أذناب “اتّفاق مار مخايل”، وعلى جميع الطامحين إلى أنْ يوقّعوا اتّفاقاتٍ مماثلةً لهذا الاتّفاق الشيطانيّ الرجيم، بل أنْ يوقّعوا اتّفاقًا يزايد على هذا الاتّفاق، ويذهب (في لحس الصبابيط) إلى أبعد، إلى أبعد، وبكثير.
عندنا مرشّحون موارنة (يخزي العين!) لرئاسة الجمهوريّة (ظاهرون ومستترون، وقحون وخفرون، غير مستحقّين)، ونوّاب ووزراء ورؤساء مجالس وحكومات وزعماء أحزاب وتيّارات، مستعدّون لتوقيع اتّفاقات تلغي مفاعيل “دولة لبنان الكبير”، وتجعل الجمهوريّة اللبنانيّة والـ 10452 كيلومترًا مربّعًا، ملحقةً بأحد المحاور الإقليميّة، أو محافظةً سوريّة و/أو محافظة إيرانيّة، بل أثرًا بعد عين.
ثانيًا: إلى محرّكي الوجدان العامّ القادة الأحرار التغييريّين الثوريّين الاعتراضيّين الاستقلاليّين السياديّين
قوموا انهَزّوا.
اعملوا “لوبي” فوريًّا، ومارِسوا الضغط الذكيّ المعنويّ الديالكتيكيّ العقليّ العقلانيّ الرياضيّ المنطقيّ السلميّ، أوّلًا لإجبار السادة الاعتراضيّين جميعهم، والسياديّين والتغييريّين والثوريّين والاستقلاليّين والمستقلّين، على وقف “الحروب” البلهاء في ما بينهم، ووضع حدٍّ فوريٍّ للحملات التجريحيّة، وثانيًا لإجبار لوائحهم التغييريّة الاعتراضيّة الاستقلاليّة المستقلّة السياديّة والثوريّة على ممارسة “التوليف” في ما بينها، بما يستدعيه هذا “التوليف” من لزوم التنازل العلنيّ الموضوعيّ والعملانيّ والافتراضيّ بعضها لبعض، والانسحاب العلنيّ والافتراضيّ بعضها لبعض، وحيث تدعو الحاجة.
على ذكر عبارة “حيث تدعو الحاجة”، لا بدّ من وضع بعض النقاط على حروف هذه “الحاجة”:
“حيث تدعو الحاجة”، أي حيث هناك رمزيّةٌ وجوديّةٌ – كيانيّةٌ – مصيريّةٌ – وطنيّةٌ – سياسيّةٌ – انتخابيّة، تستدعي هذا “التوليف”، هذه “المواءمة”، هذا “التنازل”، هذا “الانسحاب”. ينطبق ذلك، على الدوائر الانتخابيّة كافّةً، وبلا استثناء.
“حيث تدعو الحاجة”، أي حيث هناك مرشّحون ذمّيّون موارنة لرئاسة الجمهوريّة (ألم تتشرّفوا بالتعرّف إليهم؟!)، ومرشّحون ذمّيّون لرئاستي المجلس والحكومة (تفسير الذمّيّة هنا هو تفسيرٌ وطنيٌّ سياسيٌّ أخلاقيٌّ لا دينيّ)، ومرشّحون ذمّيّون للنيابة والوزارة، الأمر الذي يستدعي إسقاطهم، و/أو “قصقصة” أجنحتهم.
“حيث تدعو الحاجة”، أي حيث هناك في صفوف الأحرار ومن حيث لا يدرون (أو يدرون؟!) “ودائع” و”أحصنة طروادة” – علنيّة أو سرّيّة أو مفخّخة – للحلف الجهنّميّ الحاكم.
“حيث تدعو الحاجة”، أي حيث هناك في المطلق لوائح لـ”اتفّاق مار مخايل” ولتحالف الأكثريّة النيابيّة والحكوميّة الحاكمة.
“حيث تدعو الحاجة”، أي حيث تكون الأرجحيّة واضحة وضوح الشمس لإحدى اللوائح التغييريّة دون سواها.
لتحقيق عبارة “حيث تدعو الحاجة”، اقتراعًا وانتخابًا، وصوتًا تفضيليًّا، هناك طرق متعدّدة وتقنيات متنوّعة لتحقيق ذلك، تبقى سارية المفعول حتّى لحظة الانتخاب، يعرفها ربابنة اللوائح والماكينات الانتخابيّة.
لمَن يقولون لي من أجل ماذا نعمل “لوبي” كهذا؟ أجيب: من أجل (أيّها المتذاكون) إسقاط مفاعيل “اتّفاق مار مخايل”، وكلّ اتّفاقٍ مماثل. ومن أجل الحؤول دون حصول أصحاب هذا الاتّفاق وأذنابه على الأكثريّة في مجلس النوّاب المقبل. ومن أجل الحؤول دون تأليف حكومة “توافق وطنيّ” و”وحدة وطنيّة” (كاذبَين)، ومن أجل الحؤول دون انتخاب رئيسٍ مارونيٍّ ذمّيٍّ أقلّويٍّ جديد (بعد أنْ تخلو السدّة الأولى قريبًا، إذا خلتْ).
إذا لم تبادروا إلى ذلك، فالأكثريّة النيابيّة ستكون مضمونة للحلف “الجهنّمي” الموحّد الصفّ والرؤية والهدف. وسيكون لبنان في جيبتهم الصغرى.
خذوا ما كتبتُهُ أعلاه – رجاءً – بحكمة وعقلانيّة وواقعيّة، باعتباره تعميمًا انتخابيًّا – سياسيًّا – وطنيًّا لمناهضة الحلف الجهنّميّ الحاكم.
إنّه تعميم. اعملوا بموجبه.
إنّه تعميمٌ أخير. وبموجب هذا التعميم الأخير: كلّ واحد ع شغلو. الآن وفورًا وفي الدوائر كافّةً. وفي يوم الانتخاب، أوعا تضلّوا ببيوتكن. أوعا ما تروحوا تنتخبوا انتخابًا أخلاقيًّا – ضدّن. انتخِبوا انتخابًا اخلاقيًّا – ومفيدًا. وأوعا الورقة البيضاء. والسلام.