إعتبر معهد التمويل الدولي، في أحدث تقرير له، ان استمرار دعم المواد والسلع خصوصاً المحروقات يؤدي الى استنزاف احتياطي مصرف لبنان المتضائل وتسخيره لدعم الاقتصاد السوري، في ظلّ تواصل عمليات التهريب عبر الحدود بين البلدين.
إرتفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء الى ما دون الـ7000 ليرة، نتيجة تراجع الطلب على الدولار لدى الصرافين المرخّصين وايضاً في السوق الموازية، إثر تحوّل مستوردي المواد المدعومة نحو المصارف لتمويل عمليات الاستيراد على سعر الصرف المحدّد من قبل مصرف لبنان عند 3900 ليرة والمقدّرة قيمتها بحوالى 6 ملايين دولار اسبوعياً، في حين يُحجم تجّار ومستوردو المواد او السلع الاستهلاكية غير الاساسية عن الاستيراد حالياً نتيجة تراجع قدرة المواطن الشرائية وعدم وجود طلب كبير على «الكماليات».
بالاضافة الى ذلك، أدّى دخول العملة الصعبة بكميات كبيرة الى لبنان منذ إعادة فتح المطار، الى دعم سعر صرف العملة المحلية وارتفاعها الى ما بين 7000 و8000 ليرة في الحدّ الاقصى مقارنة مع مستويات قياسية بلغتها قبل 1 تموز عند حوالى 10 آلاف ليرة مقابل الدولار. إلّا انّ عدم استقرار سعر الصرف في السوق الموازية سيبقى قائماً في ظلّ غياب اي مؤشرات ايجابية وخطوات إصلاحية تعيد الثقة للسوق.
وفي هذا الاطار، أشار تقرير لمعهد التمويل الدولي بعنوان «أسعار الصرف الموازية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الى انّ أكبر تفاوت في سعر الصرف بين السعر الرسمي والسوق الثانوية هو في لبنان وسوريا وإيران والسودان. وأوضح انّ ظهور أسعار صرف موازية في هذه البلدان التي هبطت قيمة عملاتها بسرعة فائقة مقابل الأسعار الرسمية، يعكس بشكل رئيسي عقوداً من سوء الإدارة الاقتصادية وتفشّي الفساد العام، لتُضاف إليها تداعيات العقوبات الدولية على تلك الدول، والتي زادت الفارق بين الأسعار الرسمية وأسعار السوق.
وقال كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان انّ سعر الصرف في السوق الموازية هو مؤشّر مهم للتناسق بين سياسة الاقتصاد الكلي ونظام التجارة الخارجية وسياسة أسعار الصرف. وأشار الى انه «بالإضافة إلى الكلفة التي يتكبّدها المواطن نتيجة اسعار الصرف المتعددة، فإنّ تواصل هبوط سعر صرف العملة المحلية في السوق الموازية يمكن أن يقوّض الدور التخصيصي لسعر الصرف الحقيقي في الاقتصاد من خلال الكشف عن مشكلة المصداقية لسياسة الاقتصاد الكلي».
وشدّد على انّ توحيد سعر الصرف في السوق أمر حاسم لاستعادة الاستقرار الكلي وتعزيز الاستثمار والنمو، كما انه يعزّز الكفاءة والشفافية ويزيل التشوّهات المرتبطة بممارسات العملة المتعددة، ويقلّص الأنشطة الساعية إلى الريع التي تزيد من مخاطر الفساد. كما انّ نظام سعر الصرف المَرن يدعم التوحيد المالي من خلال تعزيز الإيرادات المتعلقة بالاستيراد.
وأوضح ايراديان انّ لبنان يشهد أسوأ انهيار مالي منذ استقلاله في العام 1943، لافتاً الى انّ الليرة اللبناينة انضَمّت في أواخر العام 2019 إلى نادي العملات المتأزمة. وقال: لم يتم إحراز أي تقدّم ملموس بعد شهرين من المفاوضات بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي للحصول على دعم مالي بسبب إحجام أصحاب المصالح الخاصة في الحكومة والبرلمان عن تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية العاجلة.
أضاف: في حين تم تثبيت السعر الرسمي عند 1507 ليرات لبنانية للدولار منذ العام 1998، استمر سعر الصرف في السوق الموازية في الانخفاض إلى متوسط 8600 ليرة لبنانية خلال الأيام الـ 11 الأولى من تموز الجاري، بسبب فقدان الثقة في قدرة السلطات المعنية الحالية على تنفيذ برنامج اقتصادي شامل (بيان 1).
وفيما لفت الى انّ مصرف لبنان المركزي بدأ منذ 26 حزيران دعم استيراد المواد الغذائية والمواد الاولية (حوالى 300 سلعة) على سعر الـ3900 ليرة والابقاء على دعم استيراد المحروقات على السعر الرسمي عند 1507 ليرات، أشار الى أنّ جزءاً كبيراً من تلك الواردات، لا سيما الوقود، يتمّ تهريبها إلى سوريا، مما يستنزف احتياطات النقد الأجنبي المتضائلة في مصرف لبنان، ويسخّر احتياطي البنك المركزي لدعم الاقتصاد السوري.
وأكد ايراديان انّ استمرار دعم استيراد المحروقات في ظل الارتفاع المتواصل لنسبة التضخم (البيان 2) وهبوط سعر الصرف في السوق الموازية، سيؤدي في النتيجة إلى عجز مالي أوسع نطاقاً بكثير ممّا كان متوقعاً في ميزانية 2020.