21.4 C
Byblos
Friday, September 20, 2024
إنتخاباتالمونسنيور ميشال فريفر يكتب "الكاتبة كارن البستاني"

المونسنيور ميشال فريفر يكتب “الكاتبة كارن البستاني”

كتب المونسنيور ميشال فريفر تحت عنوان “الكاتبة كارن البستاني”:

إعلاميّة إن حكت تنساب من فمها الكلمات المعبِّرة المجرّدة من التزلّف، يكاد سامعها يُطربُ ويُسكر من عمق أبعاد معانيها. إنّها مثل مسك العود، كلّما احترق أرسل مع الريح نفحاتٍ عذبة، ونشر في مكانه البخور الزكيّ.

جدّدت كارن العهد، وحلّقت على الشاشات فارتقت وتألّقت في عالم النجوم وما يحيط بها من سحرٍ وأسرار. أبحرت في كينونتها كإبحارها بماضيها البعيد وذكريات أجدادها الأدباء والشعراء، روّاد النهضة الأدبيّة العربية.

تصدّرت صفحات المجلاّت والكتب بأناقتها المعروفة، وبسطت ثقافتها كحمامة بيضاء تحمل السلام. تمكّنت بهدوئها الصامت، وذكائها الحادّ ودبلوماسيّتها وما أحدثته من ضجيج إعلاميّ من أن تكون من الإعلاميّات البارزات، والكاتبات اللبنانيات، الناشطات في المجتمع والسياسة والشعر الفرنسي. التقت كبار رجالات العالم ديناً ودنيا من سياسيين ورجال الفكر والأعمال؛ فكان لها الحظ الكبير أن تلتقي قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، مسجّلةً على صفحات التاريخ الحديث اسمها مضافاً إلى أجدادها البساتنة الأوائل، المدوّنة أسماؤهم على لوحة الفن الأدبيّ الخالدة. إنَّهم مَن سجّلوا صفحة لا تُمحى في عالم الأدب واللغة التي أرسَوا قواعدها ودعّموا أساساتها مضيفين حرفاً ذهبياً على حروفها المتألِّقة.

عبَّرت كارن من خلال مواقفها عن حال المواطن اللبنانيّ الذي ذاق الأمرين من كلِّ ما حدث على أرضه وذُكر في تاريخه. امتازت بتعلّقها بوطنها الأمّ، وحبِّها لترابه وإنسانه المخلص الشريف. فالشرفاء يتكلّمون عن أوطانهم، ولا يعتبرون أنَّ التغيير كذبة.

بيّنت كفاءتها بثقافة مميّزة، وصدق، وروح وطنيّة تنحني لها الجباه. وقد دفعها استمرارها في العطاء إلى إبداع خطوطٍ إعلاميّةٍ مميّزة في طرحها مشاكل وطنها مُجيدة استعمال أدوات التمرّد على كلّ ما هو فاسد، سعياً للوعي الوطنيّ، وخلق مواطن يؤمن بإنسانيّته ومستقبل وطنه. لذا، جنتْ ثمرات البساتنة أسلافها وما جذّروه أدباً من نثرٍ وشعر. دلَّ واقعها هذا على أنّ أعمالها تنمُّ عن سماتها الشخصيّة. وقد استطاعت من خلال مواهبها وميزاتها الوصول إلى النفوس والعقول رغم اختلاف البيئة والوطن.

مَن مِن أهل الإعلام لا يعرف إعلامية، ومفكّرة، وشاعرة، وكاتبة قدَّرها الكبار الكبار.

مَن مِن أهل الأعمال والإنتاج لا يعرفها.

مَن مِن أهل هذا العصر لا يعرف “البساتنة”، وما أحدثوه في دنيا العلم والأدب والشعر والسياسة.

مَن مِن أهل السياسة والاجتماع يجهل اسم “كارن”، وعائلتها “البستاني”، التي اشتهرت منذ القرن السّادس عشر. كما تعود جذورها إلى بلدة البساتين في مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية السورية. تشعّب حضورها في معظم المدن والقُرى اللّبنانيّة منها من يعيش حالياً في لبنان ومنها مَن عرف مرارة الهجرة. إنّها العائلة “المدرسة” التي يتعلّم على مقاعدها كُلّ طالب علم.

اقتدت كارين ابنة “عين الريحانة” البلدة اللبنانيّة الواقعة على ارتفاع ثلاثمئة وخمسين متراً عن سطح البحر، وعلى مسافة عشرين كيلومتراً عن بيروت، ومساحتها 225 هكتاراً – بماضيها العريق، وشكّلت حالة فريدة في عالم الإعلام، واحتلّت مكانة مميّزة شكلاً ومضموناً، وضمّت قلمها إلى أقلام أسلافها لتكون واحدة منهم، محقّقة القول “إنَّ التاريخُ يُعيد نفسه”. كان في مقدّمة هؤلاء الكبار المعلّم بطرس البستاني مؤلف أول موسوعة عربية باسم “دائرة المعارف”.

واجهت كارين الحياة بشخصيّتها التي اجتهدت على صنعها. كتبت الشعر باللّغة الفرنسيّة، بيّنت من خلاله أصالتها الإنسانيّة واللبنانيّة. أسّست “شركة الإعلان والتسويق لمجالات الأدب والدراية والإبداع”، وكان لها عموداً صحافيّاً، واجتماعيّاً، وسياسيّاً في صحيفة “البلد” في النشرة الفرنسية. قدّمت، وحلّلت إصدارات كتب، وكتبت مقالات، وأجرت مقابلات مع مؤلّفين محليّين وعالميّين، ومخرجين سينمائيّين، ومنتجي أفلام، وسياسيّين، محليّين ومغتربين، ومؤلّفي موسيقا…

قلمها سيّد أوراقها، خطّت به الشعر صغيرة، ونور أعمالها لا يخفت وهجه، وما نتاجها إلّا صورة عنها.

يدلّ شعرها باللّغة الفرنسيّة على روحها اللبنانيّة، وما خطّته بمداد قلمها عمّق فيها تعلّقها بتراثها البستاني – اللبناني الحافل بصناعة اللّغة، وتبسيط قواعدها، ونقل الكلمة الصادقة الحرّة من جيل إلى جيل كجبلٍ لا تهزّه براكين الأرض. كارن، هي عضوٌ مؤسِّسٌ في مؤتمر تعزيز التراث اللّبنانيّ. شاركت في تأسيس رئاسة الجمعية اللبنانية للتصلّب الجانبي الضموري. نالت جوائز قيِّمة رفعتها إلى مصاف المعروفة أسماءهم في عالم الإعلام والسياحة والتلفزيون.

أضاءت كتاباتها في الشعر باللغة الفرنسيّة شمعة لبنانية. صاغت شعرها بوصفٍ تأمليّ، عاطفيّ ذو طابعٍ لبنانيّ. كتبته بأنامل ذهبيّة، ساكبة في طيّاته إخلاصها لوالدها، الذي كان لها السند والقدوة. إنّها بادرةٌ ذاتيّة إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على مدى أصالتها وحبّها لأهلها وناسها. وهكذا، سيبقى عنوان كتابها الشعريّ “والدي ملك العالم Mon Père le Roi du monde” جاذباً القرّاء مهما اختلفت ثقافاتهم ومشاربهم.

عاشت كارن الحالة الشعرية باندفاعٍ حرّ. والشعر الحرّ، هو آخر مراحل تطوّر الشعر في مداه وبنائه وشكله. تبنّته فنًّا قائماً بذاته. فنحتت صوره، وجمّلت أبياته بمفرداتٍ غنيّة بالمعنى بوصفٍ مرهف الحسّ، وذوقٍ رفيع، وكأنّها بهذا الشعر تقوم مقام النحت في الفنون الجميلة.

أتاحت بشعرها الانسجام بين المضمون والشّكل، على نحوٍ يأسر الألباب، مبتعدةً عن الغموض والإبهام؛ فغلّفته بواقعيّة الحبّ الوالديّ عربون وفاءٍ لروح والدها. وممّا يتجلّى في شعرها، يوضّح لي تأثّرها بماضي أجدادها البساتنة الذين تخطَّوا حدود الأشكال والصور النمطيّة، وبلغوا بكتاباتهم القمّة في كلِّ جديد ومُجدِّد.

نسجت كارن الحروف والكلمات والأفعال والتشابيه والصور ببراعتها المعروفة، وجعلتها تتراقص كمياهٍ تترقرق من شلال عهد شعرها الجديد، الحامل في عمقه عهد “البساتنة” الخالد.

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!