منذ أكثر من عامين، يعيش اللبنانيون أزمة غير مسبوقة تفرض عليهم، يوماً بعد آخر، «دوزنة» حياتهم على وقع رواتب تتدنّى قوتها الشرائية يومياً. لكن، مع الوقت، يفقد كثيرون القدرة على التعايش مع الأزمة، بعدما فاقت كل «المؤشرات» طاقتهم، وكان أكثرها سوءاً أسعار المواد والسلع الغذائية. فيما أكثر الممسوسين بالأزمة هم الفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة.
المعاناة المتشعّبة بين تأمين قوت اليوم وبدلات الإيجار والفواتير الشهرية تزداد أكثر كلما ضمّت العائلة أطفالاً ورضّعاً يحتاجون إلى «أنماط» مختلفة من الغذاء، أهمها الحليب الذي بات خارج المتناول، إما بسبب فقدانه من الصيدليات نتيجة الاحتكار أو غلاء سعره وعدم قدرة كثيرين على شرائه. يدفع ذلك، أحياناً، للجوء إلى بدائل قد لا تفي بالغرض كـ«اللبن بالسكر والماء والسكر»، على ما تقول والدة رضيعة لجأت إلى هذه «الوصفة» للتخفيف من استهلاك الحليب.
عائلات كثيرة دفعتها الأزمة، للتخفّف من بعض الأكلاف، إلى بدائل تسدّ بعض الاحتياجات، لكنها تسبّبت من جهة أخرى بنقص حادّ في التغذية. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة أجرتها كلية الصحة في الجامعة اللبنانية أخيراً، على عيّنة من 384 حالة، انتشار سوء التغذية بين الرُّضّع والأطفال، وفقراً في التنوع الغذائي للأمهات والأطفال الذين تُراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهراً. وبيّنت الدراسة ارتفاع معدل الهزال (37,5%) والتقزّم (12,5%)، وزيادة الوزن (62,5%). وخلصت إلى وجود حاجة ملحة إلى تحسين أنماط تغذية الرضّع والتنوع الغذائي للطفل والأم للحدّ من معدلات سوء التغذية.
المتخصّص في التغذية السريريّة والصحة العامة، زين نابلسي، نبّه إلى عواقب عدة لسوء التغذية بين الأطفال، موضحاً أن «من الآثار المُبكرة ضعف أجهزة الأطفال المناعية، ويظهر ذلك من خلال ضعف مقاومة الطفل للالتهابات والأمراض الطفيلية، وآثار أخرى متقدمة كعوائق التنمية العضوية للطفل، إذ تنعكس على تطور دماغه». بمعنى آخر، يؤثر سوء التغذية على «معدلات ذكاء الأطفال ونموهم العقل». أضف إلى ذلك أن «سوء التغذية قد يؤدي إلى إحداث تغييرات في التعبير الجيني تؤدي بدورها إلى تحولات في توازن الكيمياء الحيوية في الجسم، وهذا أساسٌ وسببٌ لاضطرابات نفسية وعصبية».