Lقال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة أحد شفاء النازفة من بكركي:” يعاني المواطنون، فوق فقرهم وبطالتهم وتدنّي رواتبهم، من عشوائيّة مصرفيّة واقتصاديّة وتجاريّة وسياحيّة من دون رقابة أو رادع. وكأنّ التشريع الماليَّ في هذه القطاعاتِ أمسى هو أيضًا مستقلًّا عن قوانينِ الدولة وعن قوانين النقد والتسليف. فمِن حجزِ الأموال، إلى فِقدانِ الدولار، إلى تقنينِ السحبِ بالليرة، إلى تلاعبِ الصرّافين بجميعِ العُملات، إلى منعِ التحاويلِ لتغطيةِ الضرورات، إلى قَبول بطاقاتِ الائتمان مع زيادةٍ على قيمة الفاتورة، إلى رفضِ الدفعِ ببطاقاتِ الائتمان، إلى فرضِ الدفعِ نقدًا. إنّه النزيف الماليّ والمعيشيّ والإجتماعيّ.لا تستطيع الحكومة معالجة هذا الوضع العشوائيّ إلّا بإحياء الحدّ الأدنى من النظام الماليّ، وضبط مداخيل الدولة بجباية الضرائب والرسوم من الجميع، وفي جميع المناطق اللبنانيّة، وضبط مداخيل المطار والمرافئ والحدود، وايقاف التهريب دخولًا وخروجًا، واستثمار الأملاك البحريّة.
وتابع:” في هذا السياق، سمعنا في هذين اليومين الأخيرينصرخة المعلّمين في المدارس الخاصّة. فهي اليوم تبدو عاجزة عن دفع الرواتب بسبب أمتناع المصارف عن قبول التحويلات من حساباتها الى حسابات المعلمين. ما يجعل المدارس عاجزة عن الالتزام بعقود العمل المبرمة مع المعلمين والموظفين. وهذا يشكّل خطراً وجودياً على كل مدرسة ومؤسسة لا تملك سيولة كافية لدفع الرواتب المتوجّبة عليها.وفي الوقت عينه لا يُسمح لأهالي الطلاب بسحب مبالغ تغطي مصاريفهم الشهريه.وكم بالحري أقساط أولادهم المدرسية؟وإن لم يسحب الاهل مبالغ نقديه كافيه، كيف للمدرسة أن تدفع رواتب المعلمين والموظفين؟إنّها حلقه مفرغة يدورون جميعهم فيها.”
واضاف: “المطلوب من المصارف ومصرف لبنان اعتبار الاقساط المدرسية أولويّة مطلقة لكونها تؤثر على المجتمع ومستقبل البلاد والتعليم.لذا يُطلب تمكين المؤسسات التربوية من تسديد المستحقات المتوجبه عليها من المبالغ المودعه سابقًا في حساباتها أو بموجب شيكات يدفعها الاهل أو حوالات من الدولة او الجهات المانحة.فأيّ معلم أو موظف يرتضي العمل إن لم يستطع الحصول على راتبه الذي فقد أصلاً أكثر من 90 بالمئة من قيمته الفعليّة بسب أنهيار سعر صرف العملة الوطنيّة؟ وكيف يمكن الاستمرار في العيش إن لم يحصل المودع على أموال نقديّة؟ وأيضًا في القطاع التربويّ، الذي هو الأساس في تكوين شخصيّة المواطن اللبنانيّ، نحن حريصون على ألّا يفتح قرار مجلس شورى الدولة الصادر أمس الأوّل بشأن “المركز التربويّ للبحوث والإنماء” بابًا للدخول في دوّامة صراع جديد على رئاسة المركز. وقد يكون ذلك مدخلًا للبعض كي يتلاعبوا في مناهجنا اللبنانيّة النابعة من ثقافتنا وحضارتنا المكوّنة على حوض البحر المتوسّط.المطلوب ابعاد الاطماع السياسية عن التربية وترك المجال لأهل الاختصاص، بل تفويضهم رسميًّا بالتعاون مع اصحاب الشأن التربوي لصناعة مناهج وطنيّة ملائمة للتطور التربوي والتكنولوجي الحاصل في العالم.”
وقال:” إنّ حياد لبنان، الذي هو من صلب هويّته، والقائم على عدم الدخول في أحلاف ومحاور وصراعات سياسيّة وحروب إقليميّة ودوليّة، والذي يقتضي أن تكون الدولة قويّة بجيشها وأجهزتها الأمنيّة، لكي تفرض سيادتها في الداخل وفي الخارج إذ تحترم سيادة الدول الأخرى، وتردّ كلّ إعتداء عليها بقواها الذاتيّة. هذا الحياد يجعل لبنان صاحب رسالة. فيتعاطف مع قضايا حقوق الإنسان وحريّة الشعوب، ويتّخذ مبادرات للمصالحة وحلّ النزاعات، ويعمل من أجل السلام والإستقرار. من هذا القبيل، وباسم الإنسانيّة والملايين من سكّان أوكرانيا اللاجئين إلى بلدان أخرى وسائرين نحو المجهول بحقيبة صغيرة، وباسم الضحايا والقتلى التي تقع على أرضها وأرض روسيا، نشجب هذه الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة ونطالب بإيقافها. فلا نتيجة منها سوى القتل والدمار والتهجير والإفقار والتجويع وإتلاف الثروة الطبيعيّة وإذكاء الحقد والبغض والعداوة. وباسم الحياد نطالب بعودة النازحين السوريّين إلى وطنهم، لكي يحافظوا على ثروة أرضهم وثقافتهم وكرامتهم، ويواصلوا كتابة تاريخهم. إنّ عودتهم مرتبطة بقرار سياسيّ لبنانيّ وعربيّ ودوليّ، وقد فاق عددُهم المليونَ ونصفَ المليون أي نحو 35% على الأقلّ من سكّان لبنان. غياب هذا القرار بات يأخذُ طابَعَ مؤامرةٍ على كيانِ لبنان ووِحدتِه وهويّتِه وأمنِه. إنَّ حلَّ قضيّتهم يَستدعي العجلةَ، خصوصًا مع اندلاعِ الحربِ في أوكرانيا وبروزِ موجاتِ نزوحٍ جديدةٍ في أوروبا والعالم.”