17.3 C
Byblos
Thursday, December 12, 2024
أبرز العناوينبالتفاصيل - "أنا متحوّلة جنسيًّا ...دفعني وطردني من الباب الخلفي دون راتب...

بالتفاصيل – “أنا متحوّلة جنسيًّا …دفعني وطردني من الباب الخلفي دون راتب أو تعويض!”

بعد حوالي عشر سنوات سأصل إلى سن التّقاعد. وطبعًا لن أصل، لانّني لا أعمل. أو بكلمة أصحّ، أنا عاطلة عن العمل، لأنّ لا أحد يرضى بتوظيفي. والسبب يعود إلى أنّني امرأة متحوّلة جنسيًّا.

إن رفضي ونبذي ووصمي، ليس بالشّيء الجديد. فهو سلوك رافقني منذ اكتشف والداي ميولي، وأصبحت بنظرهم شيئًا عجيبًا قبيحًا يتمنّيان في كلّ لحظة، أن يأتي الموت ويأخذني.

تخيّلوا طفلًا جاء إلى الحياة، لا ذنب له بشيء، وإذ به للأسباب الّتي ذكرتها، يصبح لعنة العائلة، وموته هو الرَحمة.

حتّى اليوم لا أعرف سبب الخلافات الّتي بدأت تزداد حدّتها بين أمّي وأبي، لكنّني كطفلة غير مرغوب فيها، رجّحت أن أكون أنا السّبب. ربما أكون مخطئة، ولكّنّني لم أكن أجد سببًا آخر لذلك. وكلّما ازدادت حدًة المشاكل بينهما، كانت تتوارد إلى مسمعي كلمة طلاق، وفي النّهاية هذا ما حصل.

ورغم الخلافات القويّة بين أبي وأمّي، إلّا أنّهما اتّفقا على أمر واحد وهو رفض وجودي معهما، وعدت لأكون أنا سببًا ينغّص عليهما الحياة.

ربّما لم يتجرّأا على رميي في الشّارع، أو ربما لم ينجحا في وضعي في دار للرّعاية، فصرت أتنّقّل بين بيتيهما بانتظار أن يحدّدا مصيري.

يوم حظيت بعمل، كنت أسعد إنسانة في الوجود. كنت أمشي وقدماي لا تطالان الأرض، كان جسدي خفيفاً كأنّه ألقى عنه كلً ما يثقله من هموم ومخاوف.

بدأت العمل في مطبخ أحد المطاعم، أعدّ الأطباق، وأستمتع باكتساب مهارة قد تفتح أمامي أبواب الحياة كغيري من النّاس. عرفت مسبقاً ما سيعترضني في العمل، فنظرات النّاس إليّ أينما كنت تدل على رفضهم لي وسخريتهم منّي. لكنّني لم أسمح لمخاوفي بأن تسيطر عليّ. وهكذا بدأت العمل.

أول سؤال طرح عليّ في أولّ يوم عمل كان، ” إنت شو؟ كيف منتعامل معك؟ رجال أو مرا؟”.

قلت لهم:” أنا موظفة هنا، جئت للعمل أسوة بالنّاس الّذين يعملون”.

طبعا لم يقنعهم ردّي، وبدأت المضايقات تلاحقني كلّ يوم من السّاعة الّتي أبدأ فيها العمل حتّى أنتهي منه. فأعود إلى البيت وأنا أحاول جاهدة أن أبقى صامدة، ويتكرًر سيناريو المضايقات نفسه في اليوم التالي.

كل ذلك استطعت أن أتخطًاه، وصار تعاملي مع الموظّفين يقتصر فقط على العمل، فكنت أتجنّبهم بقدر استطاعتي. لكنّهم لم يكتفوا بذلك. فقد كانت نظراتهم تلاحقني وثرثراتهم وهمساتهم عنّي لا تتوقّف. وكنت كلمّا تعرضت لمعاملة سيّئة أنكببت على عملي أكثر، خوفاَ من أن تثار أعصابي وأقدم على فعلٍ، قد يتسبّب بطردي من العمل.

لم أنجح في ذلك. فقد بدأوا يحرًضون المشرف على العمل عليّ، ويلفقّون أخباراً عن سلوكي المنحرف وهو شيء لا أساس له من الصّحة، حتّى أنّ بعضهم أبدى استعداده للاستقالة حتّى “لا تلحقهم الوصمة بأنّهم يعملون مع متحوّلة جنسيًّا”. طبعًا لم أجد من يدافع عنّي أو من يقف إلى جانبي، وتفاقمت المشاكل والمضايقات حتًى فقدت أعصابي في أحد الأيّأم وتجادلت مع المشرف، وإذا بصاحب العمل يخرج من مكتبه، ويبدأ بالصّراخ عليّ دون أن يسأل عن سبب الخلاف. حاولت أن أشرح له بأنّني لست السّبب، وبأنّني لا أستطيع أن أستغني عن وظيفتي، وأنّني أريد أن أعمل بسلام، وأن يرى الآخرون مدى براعتي في العمل، ويتوقفوا عن الإساءة إليّ. حاولت أن أخبره أنّني لم أختر هويّتي الجندرية، وأريد من النّاس أن يتقبّلوني كما أنا، لأن حالتي ليست “معدية” وعملي لديه لن يؤثّر على أحد، بل أنّه يؤمّن لي راتبًا يساعدني على العيش بكرامة، ويحميني من التّشرّد.

لم يسمع كلمة ممّا قلت. وواصل صراخه وإهاناته، وطلب منّي مغادرة العمل. رفضت وقلت له إنّني لست المخطئة. لكنه بدأ يدفعني حتّى أخرجني من الباب الخلفيّ للمطعم، رماني خارجًا وأغلق الباب.

كان شهر العمل في نهايته، ومن الطبيعيّ أن أقبض راتبي، فعدت ودخلت عليه وطالبته بدفع راتبي، لكنّه رفض “ما إلك شي عندي”. وعاد وأخرجني بالقوّة مرّة ثانية. لم أستطع أن أتقدّم بشكوى ضدّه، لأنّني لا أملك مستندات أو أوراقًأ تثبت أّني موظّفة لديه. وهكذا خضعت للأمر الواقع.

وفيما أنا عائدة إلى البيت، كنت أشعر بجسدي وقد عاد مثقلًا من كلّ شيء، من الظّلم ومن الإساءة. كلّ الأفكار الجميلة ضاعت وعادت ذكرياتي الحزينة لتحلّ محلّها. وعدت أعيش الخوف من جديد.

نحن أشخاص ولدنا هكذا، نتحلّى بكلّ صفات البشر، نستطيع أن نعمل ونبرع في عملنا كالآخرين، ويحقّ لنا بأن نعيش كما الجميع. مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، متساوون مع الجميع، متحرّرون من التمييز. لا يحق لأحد المساس بكرامتنا والتحكم بمصيرنا ولقمة عيشنا فقط لأنه لدينا هوية جندرية مغايرة! الضرب والطرد المهين والتعنيف اللفظيّ في أماكن العمل هي إنتهاكات نتعرّض لها باستمرار كوننا ننتمي إلى مجتمع الميم. فمن المسؤول عن حمايتنا وإلى متى سيستمر هذا التمييز والتهميش؟

ربّما يوما ما سيكون لنا ما نريد.

- إعلان -
- إعلان -

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- إعلانات -
- إعلانات -

الأكثر قراءة

- إعلانات -
- إعلانات -
- إعلان -
- إعلان -
error: Content is protected !!