افرام في مقاربة شاملة حول الكهرباء والقانون 462:
كلّفة عدم التطبيق 60 مليار دولار وندرس إقامة دعوى ضد المعرقلين
حدث في أيلول من العام 2002 أن أقرّ مجلس النواب قانوناً أعتبر ثوريّاً يومها، يتعلّق بتنظيم المشاركة الفعّالة للقطاع الخاص في أنظمة توليد الطاقة الكهربائيّة ونقلها وتوزيعها، وبمواكبة التطوّرات الإيجابيّة اللاحقة بتنظيم قطاع الكهرباء في لبنان.
القانون شكّل حلماً تحقّق للعديد من الرؤيويين الذين نظروا إليه كمدخل إلى إعادة الاعتبار إلى دولة المؤسّسات وتحييدها عن الأهواء السياسيّة، وكقاعدة علميّة تقنيّة قانونيّة لحلّ أزمة امتدت من زمن حرب العام 1975 وتعاظمت من بعدها، لتصل إلى ذروتها مع فساد وصفقات أدّت إلى تحلّل القطاع وتكبيد الخزينة خسائر فادحة منذ العام 1991 حتى يومنا هذا.
الموضوع مهمّ إلى حدّ جعل الرئيس التنفيذي ل” مشروع وطن الانسان” النائب المستقيل نعمة افرام يربط “أحد أهم أسباب الانهيار المالي في لبنان بعدم تطبيق القانون 462″، وليقول ان ” عدم تنفيذ أحكام هذا القانون كلّفنا ما لا يقلّ عن 60 مليار دولار”، كاشفاً عن “النيّة بدراسة آلية إقامة دعوى ضدّ “مجهولين ” لكشف معرقلي تنفيذ أحكام هذا القانون ودوافعهم، ومطالبتهم بالتعويض للشعب اللبناني عن الضّرر الذي لحقهم جرّاء عدم تطبيقه”.
بكلّ جوارحه عمل الراحل جورج افرام، الذي كان شغل حقيبة الطاقة والموارد المائيّة، من أجل الوصول إلى هكذا قانون، مع جمع من الخبراء والمختصين والقانونيين والسياسيين من الذين لم تتلوّث أياديهم وعقولهم بآفات واقعنا اليوم، لتكون “الطاقة، المكوّن الاستراتيجي لحياة المواطن وللاقتصاد الوطني، والتي يفرض ضمان إمدادها وتأمين جودتها، وتوفيرها بأقلّ الأسعار الممكنة مع أخذ الاعتبارات البيئية في الحسبان، من الضرورات الحتميّة”.
عمل افرام على البيئة القانونيّة التي “تسمح لقطاع الكهرباء على تحقيق تمويله الذاتي وتأمين ملاءته وتحقيق موارد تعادل كلفة التجهيز والاستثمار وتساهم في رفع عبء خدمة الديون تدريجيّاً عن الدولة في تحملّها عجز مصلحة كهرباء لبنان”.
وكان من الأسباب الموجبة للقانون – تصوّروا- قبل حوالي 24 عاماً، ” أن الوضع الحالي – يومها- لإدارة الكهرباء لم يعد متلائماً مع النهوض بالمهام المستقبليّة المنوطة بهذا القطاع. وأنّ مدة استهلاك بعض معامل الإنتاج القائمة قد شارفت على الانتهاء مما يستوجب استبدال هذه المعامل أو تجديدها. وبما أن إتاحة المساهمة للقطاع الخاص للمساهمة في تمويل المشاريع القائمة والمستقبليّة في قطاع الكهرباء تؤدّي إلى تخفيض حجم الدين العام من جهة، وحجم التوظيف العام من جهة ثانية وتؤسّس لوجود سوق حرّة لتنافسية الطاقة. وبما أن تأمين هذه السوق هو خطوة مهمّة في سبيل تأمين هذه السلعة بأقلّ كلفة وأفضل مردود، وبما أن تأمين المنافسة الحرّة هو من الأهميّة بمكان لجهة إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة مع مراعاة ضرورة تأقلم الصناعة الكهربائيّة مع بيئتها، وبما أن السوق الحرّة لقطاع الكهرباء تستلزم وجود مشرف منظّم لنشاطاتها متحرر من قيود الروتين الإداري، الأمر الذي يوجب لحظه في إنشاء الهيئة الوطنيّة المستقلّة لتنظيم قطاع الكهرباء…كان الاستناد إلى القانون رقم 621 تاريخ 8/2/1997 (الإجازة للحكومة إبرام اتفاقيّة قروض لتمويل تجهيز شبكات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائيّة وإنشاء محطات تحويل إضافية جيدة) لا سيما المادة الثالثة من الفقرة الثالثة (04) من اتفاقية القرض مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير بقيمة 65 مليون دولار أميركي، التي أوجبت وضع مشروع قانون للكهرباء مع أسبابه الموجبة، يتضمّن إمكانيّة تمهيد الطريق أمام سوق للطاقة تقوم على المنافسة الحرّة وذلك عن طريق الفصل بين أنظمة الإنتاج والنقل والتوزيع، وإمكانية دعوة القطاع الخاص للاشتراك في مشاريع الإنتاج والنقل والتوزيع في مختلف المناطق، على أن تتولّى إصدار التراخيص وتنظيم المستهلكين، هيئة مستقّلة تنشأ لهذه الغاية”.
ماذا كانت النتيجة؟ نجح جورج افرام في الدفع لإقرار القانون 462 ليواجه بعدها بعرقلة جهوده الإصلاحية في القطاع ومواجهته ودفعه إلى تقديم استقالته التي طُويت لدى أصحاب الشأن، ليتخذ القرار بإقالته بعد يومين، تعظيماً للجرم المرتكب عن سابق تصوّر وتصميم، ولتوجيه الرسالة الجليّة والواضحة بفتح مزاريب السرقة والنهب والهدر والسمسرات والصفقات في قطاع الكهرباء التي لم تتوقف من ذلك التاريخ إلى يومنا هذا.
أليس هذا بالذات ما كان عليه وضع نعمة افرام الذي راح يقدّم الخطط والمشاريع الواحدة تلو الأخرى لتصحيح مسار قطاع الكهرباء، منذ أن كان رئيساً لجمعيّة الصناعيين ومن ثم نائباً ورئيساً للجنة الاقتصاد والتخطيط؟
وهل غريب عليه أن يربط اليوم “أحد أهم أسباب الانهيار المالي في لبنان بعدم تطبيق القانون 462″، وليقول أنّ ” عدم تنفيذ أحكام هذا القانون كلّفنا ما لا يقلّ عن 60 مليار دولار”؟
افرام في مقاربة شاملة حول الكهرباء يقول:” إذا الشعب أراد أن يحاسب جهة واحدة لسبب الانهيار كلّه والحالة الرديئة التي وصلنا إليها، فيجب أن يحاسب كلّ من عرقل تنفيذ قانون رقم 462 ” كاشفاً عن “النيّة بدراسة آلية إقامة دعوى ضدّ “مجهولين ” لكشف معرقلي تنفيذ أحكام هذا القانون ودوافعهم، ومطالبتهم بالتعويض للشعب اللبناني عن الضّرر الذي لحقهم جرّاء عدم تطبيقه”.
يضيف شارحاً ” لو حيّدت المنظومة السياسية التي حكمت لبنان قطاع الكهرباء عن الصراعات السياسية واعتبرته أرضاً حيادية للجميع لكنّا وفّرنا نصف الدين العام. إنّ الهيئة الناظمة هي حجر الزاوية للكهرباء ومن شأنها أن تقفل الكثير من الدكاكين. والمشكلة أن البعض تمسّكوا بصلاحيات الوزير لا بل تعمشقوا بها وتحولوا أنصاف آلهة بدل التركيز على موضوع الهيئة الناظمة لوضع الأمور على السكة الصحيحة”.
افرام يعتبر أنه “يجب أن يكون لدى لبنان على المدى البعيد اكتفاء ذاتي بالطاقة، وهو قادر على ذلك، ففي بلدنا قيمة مضافة استثنائية من جبال ومياه وشمس وهواء وشاطئ طويل نستطيع من خلالها كلّها أن نكون من أكثر الدول التي تنتج الطاقة البديلة. فكلفة الكيلوواط من الطاقة الشمسيّة هي 3 سنت أما كلفة كيلوواط الموّلد فهي 35 سنت، إضافة إلى أنّ تلوّث البيئة في لبنان كلّف اقتصادنا 2% من الناتج القومي سنويّاً أي ما يوازي ملياراً ونصف مليار دولار سنويّاً في السنوات العشرين الأخيرة”.
كما يكشف أن” مشهديّة الطاقة عالميّاً هي في تحوّل جذري في قليل من السنوات المقبلة: من تطوّر كبير في التخزين، إلى التدنّي في أسعار الطاقة الشمسيّة الكهربائيةPV ، فبزوع فجر زمن جديد من الطاقة الهيدروجينيّة، والتوجّه لتكون معظم السيارات على الطرقات كهربائيّة”.
يختم افرام في موضوع الكهرباء قائلاً:” شبكة معمل الذوق مؤمّنة في ما يخص مخارج الشبكة الكهربائية، فما الذي يمنعنا من أن نشرك على شبكة غاز مستقبليّة بالبحر الأبيض المتوسط ونضع تعرفة للنقل؟ إنّ التطوّر التكنولوجي يحتّم علينا أن نبدّل بخطّة الطاقة كلّما تغيرت المعطيات. لذلك في الخطة الجديدة يجب أن تكون نسبة الطاقة المتجدّدة من إجمالي الطاقة 50% في الـ10 سنوات القادمة. أمّا إنجاح مشاريع الإنقاذ فتبدأ بالفوز بالانتخابات وتكوين البدائل عن المنظومات الفاشلةـ فما نريده هو أن نبني إدارة الدولة اللبنانية بعيداً عن السياسة والصفقات”.