انتهت منتصف ليل السبت الأحد 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي مهلة تسجيل المغتربين اللبنانيين للاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة التي يبقى موعدها رهن نتيجة الطعن الذي قدّمه نواب التيار الوطني الحر أمام المجلس الدستوري. وأظهرت آخر الأرقام أن نسبة المسجّلين تخطّت 210 آلاف لبناني، في ظل تخوّف من أن تشكّل النسبة العالية للمسجلين خلافاً لما كان عليه واقع الحال عام 2018 سبباً لتطيير الانتخابات أو للعودة إلى مقاعد الاغتراب الستة من خلال قرار للمجلس الدستوري يلغي مشاركة المغتربين في اختيار 128 نائباً أو من خلال قيام أحد الأطراف بعمل أمني أو باغتيال يلغي الاستحقاق الانتخابي بكامله ويؤجله إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
ومن المعلوم أن المغتربين اللبنانيين في الخارج يمكنهم التصويت بكل حرية وبلا ضغوط سياسية، وهم بأغلبيتهم معارضون للسلطة القائمة حالياً ولأداء حزب الله ويحمّلون هذا العهد برئاسة العماد ميشال عون مسؤولية تهجيرهم ومغادرتهم البلاد بحثاً عن مستقبل آمن لهم ولأولادهم بعيداً عن الأزمات الاقتصادية والمالية والحياتية التي عانوها في لبنان، وبالتالي فإن أصواتهم قد تصبّ ضد لوائح التيار الوطني الحر وحزب الله في أكثر من قارة وبلد سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا أو استراليا أو دول الخليج العربي.
وعدا التيار الوطني الحر الذي يتمسّك وحده بتخصيص 6 مقاعد للمغتربين والاقتراع لهم في الخارج بدل الاقتراع للنواب الـ 128 في الدوائر الـ 15 في الداخل اللبناني، فإن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يدعم الخيار الثاني، ويسأل عن كيفية معرفة المغتربين في الخارج بمن سيترشح عن كل قارة. ويدرك البطريرك أن حزب الله يدعم ضمناً توجّه التيار العوني، ولذلك لم يصوّت نواب الحزب في الجلسة التشريعية إلى جانب اقتراع المغتربين لكامل النواب. ويخشى حزب الله من انتقال الأكثرية النيابية من محور الممانعة إلى المحور السيادي لما لذلك من تداعيات على مشروعه الذي يهيمن من خلاله على لبنان ويستخدمه ورقة في صراعات المحاور على حساب علاقة البلد بالدول العربية وتحديداً الخليجية وعلى حساب انفتاحه على المجتمع الدولي. وهذا ما دفع بالبطريرك الراعي إلى إطلاق موقف حاسم يوم الأحد الفائت عندما ربط بين الشراكة الوطنية والحياد، بقوله «إنقاذ الشراكة بات متعذراً من دون الحياد، وكلما تأخّرنا في اعتماد هذا النظام كلما تضرّرت الشراكة الوطنية ودخل لبنان في متاهات دستورية لا يستطيع أي طرف أن يحدّد مداها». ويحمل كلام الراعي تحذيراً واضحاً من فك الشراكة إذا ما استمر الطرف في عدم احترام الميثاق الذي قام على أساس «لا شرق ولا غرب» واستمر في سياسة التفرّد بأخذ قرارات الحرب والسلم وإدارة الظهر لعلاقات لبنان العربية والدولية والانزلاق به إلى الانهيار والعزلة.
من هنا، وعلى الرغم من تقليل البعض من أهمية تأثير الصوت المغترب على العملية الانتخابية وعلى تحقيق الانتخابات التغيير المنشود، فإن الكنيسة تعوّل على الاستحقاق الانتخابي لأنه انطلاقاً من واجبها الراعوي لا يسعها إلا أن تُعنى بالشأن الوطني المرتبط بالخير العام. وسبق للكنيسة أن وجّهت نداء إلى المواطنين اللبنانيين تعتبر فيه «أن الاستحقاق الانتخابي وما يتولّد عليه من نتائج مصيرية خلال السنوات المقبلة يحتّم علينا وقفة ضمير، ويضع أمام أعيننا المبادئ الأساسية والتوجيهات التي ينبغي أن نستنير بها في تحمّل المسؤولية واتخاذ القرارات». وبحسب مصادر في اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام فإن «ممارسة حق الانتخاب هو واجب وطني، ومن الضروري وعي أهمية الانتخاب بمعناه الكامل والسليم» مشددة «على الاختيار الواعي والحر لشخصية المرشح ولمنهجه الوطني، على ضوء دوره السابق وطرحه المستقبلي في خدمة مجتمعه ووطنه، لأنه بغير هذا المفهوم يصبح الانتخاب اقتراعاً شكلياً لا يجدي نفعاً». وتقول المصادر «إن الكنيسة تدعو إلى سلوك انتخابي واع ومسؤول يوكل مستقبل الوطن إلى أشخاص يتحلّون بالضمير الحي والكفاءة والتجرّد والجرأة، ويستطيعون أن يقولوا بإسم لبنان لا لكل من يمعن سراً أو علناً في إفقاره أو تقويض أسسه، ودفعه إلى التنكّر لدعوته والتخلّي عن مرتبة الشرف التي له بين الأمم».
وترى المصادر الكنسية «أن السلوك الانتخابي السائد عندنا، إذا ما استمر بالدوافع الضيّقة التي غالباً ما تحكمه، فلا يمكن أن يؤدي إلا إلى متابعة الانهيار الذي من معالمه:
-تعطيل القرار السياسي الحر وارتهانه لمصالح خارجية.
– اضطراب التوازن الوطني بين العائلات الروحية اللبنانية.
-كبت الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان بما ينافي روح الدستور اللبناني ونصه.
– تغليب المآرب الفئوية والمصالح الخاصة على المصلحة الوطنية المصيرية.
– تفشّي الفساد في الإدارات العامة وفي المجتمع.
– انهيار الاقتصاد الوطني وهجرة معظم القوى الحيّة في المجتمع.
– وأخيراً لا آخراً، فقدان الجرأة على إعلان الحق وصون الكرامة الإنسانية لدى من هم في موقع المسؤولية.
وتختم المصادر «إننا نؤمن بأن اللبنانيين قادرون على جعل هذا الاستحقاق الانتخابي باباً للتغيير» متوجّهة إلى الناخبات والناخبين «لتخطّي الاعتبارات الشخصية لمصلحة المبادئ والمثل العامة التي هي في المرحلة الراهنة العنوان الأكبر للنهوض بلبنان من كبوته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فيستعيد عافيته ومكانته في هذا الشرق ومرتبته بين الأمم».