في فرنسا دخلت جريمة تفجير مرفأ بيروت صفحات كتاب التاريخ والجغرافيا الفرنسي الصادر عن منشورات “بيلان”، وفي لبنان لا يزال ملف الجريمة يتأرجح على وقع الدعاوى والدعاوى المضادة. حتى اللحظة بلغ عدد دعاوى طلب الرد المقدَّمة ضد البيطار، 16 دعوى قدمها المدعى عليهم، الوزير السابق يوسف فنيانوس والنائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، إضافة إلى دعاوى قدمها كل من رئيس الحكومة السابق حسان دياب والنائب نهاد المشنوق. وعلى رغم إسقاط هذه الدعاوى بعدما رفضها قضاة المحاكم التمييزية والاستئنافية، إلا أن وصول القضية إلى مكتب رئيس محكمة الاستئناف، القاضي حبيب مزهر المعيَّن حديثاً عضواً ممثلاً للطائفة الشيعية في مجلس القضاء الأعلى، وتخطيه صلاحياته وصولا إلى تعطيل عمل البيطار وسحب كل الملف من يده والتمهيد لإبطال السرية عن التحقيقات، أدخل الملف غرفة العناية الفائقة.
لكن اللافت ان قرارات “غب الطلب” لم تقف عند هذا الحد. فالمرتابون من ادعاءات البيطار قرروا أن يذهبوا أبعد من ذلك ويتم التداول اليوم بإمكان طلب رد رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود لتغييره موقف النيابة العامة التمييزية الذي كان قائماً سابقاً بالنسبة لمحاكمة الرؤساء والوزراء والقاضي عماد قبلان الذي ينسق شخصيا مع القاضي البيطار لدوره السلبي في القضية.
في الموازاة برزت اليوم الدعوة التي وجهها أهالي شهداء فوج الإطفاء لوقفة أمام ثكنة الحلو في الأشرفية تحت عنوان “لحماية القانون مش الزعران” يوم الأحد المقبل في الثانية بعد الظهر لمطالبة قوى الأمن الداخلي بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن قضية تفجير مرفأ بيروت.
قد تشكل هذه الوقفة حافزاً لإيقاظ الملف من موته السريري، في انتظار أن يبت القضاء المختص بموضوع طلب رد بيطار وكف يده عن ملف تحقيقات المرفأ، سيما وأن جلسات استجواب المدعى عليهم معلقة. لكن هل يمكن أن تغير وقفة أهالي فوج الإطفاء قرار تمنع القوى الأمنية عن تعميم مذكرة التوقيف التي أصدرها البيطار بحق الوزير السابق علي حسن خليل في 12 تشرين الأول الماضي بقرار من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والذي رد ببيان شرح فيه أنه أرسل استيضاحاً إلى المحامي العام لدى المجلس العدلي عن النص الدستوري في مادته الأربعين التي لا تجيز توقيف النائب أثناء دورة انعقاد مجلس النواب، ليُصار من قبل الجهة القضائية المعنية تأكيد الطلب من عدمه؟
أهالي ضحايا المرفأ لم يهدأوا، وإن بدا لدى البعض أنهم صامتون إزاء ما يحصل أو تم إسكاتهم. فلا هم سكتوا ولا ارواح أولادهم الذين دفنوهم أشلاء تحت الثرى استكانت، حتى جلاء الحقيقة. ويشير وليم نون شقيق الضحية في فوج الإطفاء جو لـ”المركزية”: “أن الجمود الحاصل في الملف القضائي أوقف تحركات الأهالي وهم في انتظار ما سيصدر عن محكمة التمييز”. ولا يخفي نون كما كل أهالي الضحايا شكوكه من أن تكون هذه الزوبعة من الأزمات السياسية والديبلوماسية والإقتصادية وآخرها رفع الدعم عن الدواء لإلهاء الرأي العام عن ملف التحقيق في جريمة العصر، لكنهم مخطئون. لن نسكت ولن ندعهم يرتاحون حتى نعرف من فجر مرفأ بيروت ومن كان وراء تخزين مادة نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 ولماذا لم يتم التحقيق فيها بعد الإبلاغ عنها؟”. ويشير إلى أن الهدف من التحرك المقرر يوم الأحد 21 الجاري حث القوى الأمنية على تعميم مذكرات التوقيف التي أصدرها البيطار بحق خليل وفنيانوس ويقول: “سنواجههم بالصور التي تظهر كيفية قمع القوى الأمنية المتظاهرين في ثورة 17 تشرين وأهالي الشهداء أمام منازل المسؤولين الأمنيين وإن كنا على يقين أن هؤلاء العناصر ليسوا إلا مأمورين وأن السلطة السياسية أقوى من قرارات السلطات الأمنية… لكن طفح الكيل”.
حتى اللحظة لا يملك وليم نون كما كل أهالي ضحايا المرفأ جوابا على السؤال: ماذا لو نجحت السلطة السياسية في قبع البيطار والرئيس الأول سهيل عبود؟ ماذا لو استقال البيطار تحت الضغوط وحصلت التسوية على حساب إقالة البيطار؟ “انشالله ما نوصل لهون بس ما عندي جواب صدقا، لكننا حتما سنذهب إلى المحكمة الدولية علما أننا ما زلنا نصر على أن يصدر القرار من داخل القضاء اللبناني. لكن إذا نجحت القوى الممانعة في قبع البيطار سنضع الملف في عهدة الأمم المتحدة وبذلك تكون نهاية لبنان قد كتبت بدم ضحايا مرفأ بيروت”.