قالت مصادر مواكبة للاتصالات ل”الجمهورية”، انّ الأزمة المستجدة بين الدول الخليجية والحكومة تستأثر بكل المواقف والمتابعات السياسية «لأنّ عليها يتوقف ليس فقط مصير الحكومة، إنما مصير البلد في حال اتخذت الدول الخليجية قراراً بسحب السفراء نهائياً وقطع العلاقات مع لبنان، ما يؤدي إلى عزله عن محيطه للمرة الأولى في تاريخه ودخوله في منعطف خطير جداً. ولذلك ثكثر الدعوات السياسية والروحية الى معالجة هذه الأزمة سريعاً، بغية تجميد الإجراءات المتخذة والعودة إلى ما قبل نشوئها، لأنّه خلاف ذلك يعني مضي الدول الخليجية في خطواتها ويصبح متعذراً العودة إلى الوراء، ويدخل لبنان في وضع جديد من عزلة غير مسبوقة، فضلاً عن تداعياتها الخطيرة على بلد يعيش أساساً في أزمة مالية واقتصادية خانقة، معلوم انّ خروجه منها غير ممكن من دون مساعدة خارجية وتحديداً خليجية».
ولفتت المصادر الى «المحاولات التي أجرتها واشنطن وباريس تحديداً قبل تأليف الحكومة وبعدها، لاقناع الدول الخليجية بتبديل مواقفها والانتقال من النأي بالنفس إلى توفير مستلزمات الدعم للحكومة. ولكن الموقف الخليجي ربط اي مساعدة محتملة بأداء الحكومة ومواقفها وممارستها، في اعتبار انّ زمن الدعم المجاني على طريق «الشيك على بياض» ولّى إلى غير رجعة، وبالتالي الحكومة كانت تحت مجهر الاختبار، فإذا برهنت عن تبدُّل في السياسة الخارجية تكون نجحت في إعادة تفعيل العلاقة مع دول الخليج، وفي حال فشلت بذلك تبقى الأمور في الحدود التي كانت عليه، لأنّ الخليج ليس على استعداد لمساعدة دولة تستهدفه في أكثر من جانب، بدءاً من السياسة، مروراً بالمخدرات، وصولاً إلى الأمن والخلايا الأمنية.
ولكن ما لم يكن في الحسبان إطلاقاً يكمن في تطوّر الأمور بهذا الشكل والسرعة على أثر بث المقابلة التي كان أجراها قرداحي قبل تأليف الحكومة، ما يعني انّ الدول الخليجية لم تعد تتحمّل حتى موقفاً من هذا النوع، بعد ان طفح الكيل معها من لبنان، ولم تعد في وارد المسامحة ولا غض النظر، فإما لبنان دولة صديقة وتعمل بموجبات هذه الصداقة، وإما دولة عدوة وجب التعامل معها على هذا الأساس بقطع العلاقات الديبلوماسية».
معالجة الذيول
واضافت المصادر عبر “الجمهورية”، انّ «حتى لو جمّدت الدول الخليجية خطواتها، فإنّ معالجة ذيول الأزمة باتت صعبة ومعقّدة، ودلّت الى عمق هذه الأزمة، ولكن الأساس يبقى في معالجة الإشكالية الأخيرة سريعاً قبل ان تتدهور الأمور أكثر فأكثر، لأنّ المصلحة اللبنانية العليا تستدعي إقفال هذا الملف وحفاظ لبنان على علاقاته مع الدول الخليجية التي تشكّل المتنفّس الأساسي له، فهو يتنفس اقتصادياً من الرئة الخليجية، إن لجهة الدعم والمساعدات الخليجية، أو لناحية الجالية اللبنانية الواسعة العاملة في هذه الدول. وفي حال تطورت الأمور سلباً فإنّ انعكاسات هذه الأزمة ستتجاوز التردّي المالي على مساوئه وخطورته، إلى التأثير على سائر الاستحقاقات بدءاً من الاستقرار السياسي مع الحكومة المعطّلة بسبب أزمة انفجار المرفأ، وصولاً إلى الانتخابات النيابية واحتمالات تطييرها».
بعبدا تواكب
وكانت الإتصالات الجارية لتطويق الأزمة احتلت اولوية اهتمام رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي بقي على تواصل مستمر مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الموجود في لندن، قبل ان يتوجّه مساء امس الى غلاسكو في اسكتلندا لحضور قمة المناخ. وقالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، انّ عون تشاور وميقاتي في نتيجة الاتصالات التي أجراها مع الفرنسيين والأميركيين منذ اندلاع الازمة، وبقي على تواصل مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس خلية الأزمة الوزارية وزير الخارجية عبدالله بوحبيب وقرداحي، للوقوف على آخر المواقف مما يجري، ولمتابعة المقترحات المتبادلة وتطورات الوساطة الاميركية والتحرّكات الفرنسية. وأضافت المصادر، انّ عون «اكّد مرة اخرى تمسّك لبنان بأفضل العلاقات مع السعودية ودول الخليج وضرورة معالجة التطورات الاخيرة بالحوار ومن خلال مؤسسات الدولتين».
توازيا، قالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس هناك أي توجه لاستقالة الحكومة حتى الآن، لا سيما أن المجتمع الدولي غير مشجع للخطوة لما لها من آثار سلبية على البلد.
وانشغل الوسط السياسي في لبنان باستكشاف الأسباب التي كانت وراء دعوة القائم بأعمال السفارة الأميركية في بيروت مايكل ريتشارد لحضور اجتماع خلية الأزمة التي شكلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن حضور ريتشارد الاجتماع جاء بطلب من ميقاتي للوقوف منه على ما لديه من معطيات تتعلق بالاتصالات الدولية الرامية لرأب الصدع بين لبنان ودول الخليج العربي في موازاة الاتصالات التي يتولاها ميقاتي شخصياً في ضوء استعداده للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وأكدت المصادر ل”الشرق الأوسط” أن ريتشارد صارح أعضاء الخلية بضرورة بقاء الرئيس ميقاتي على رأس الحكومة وأن لا مصلحة في استقالته، ليس لاحتمال عدم توفر البديل فحسب؛ وإنما لوجود مخاوف من ذهاب البلد إلى الفوضى والفلتان في الوقت الذي هو في أحوج إليه لمتابعة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإنقاذه من الكوارث الاقتصادية والمالية من جهة؛ ولمواصلة الجهود لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها لأنه لا مفر من إنجاز هذا الاستحقاق، من جهة ثانية.
ولفت إلى أن واشنطن وباريس تتوليان الاتصالات مع السعودية ودول الخليج لوقف تدهور العلاقات، وقال إنهما يدعمان بقاء الحكومة، كما قال عضو في خلية الأزمة لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أنه فتح الباب أمام التداول بما هو مطلوب من مقترحات لمعالجة هذه الأزمة لأنه لا مصلحة في أن تبلغ مرحلة اللاعودة.
وأكدت مصادر مطلعة على اجواء السرايا لصحيفة “اللواء” أن “الحكومة التي تألّفت وفق المبادرة الفرنسية تحظى بدعم خارجي، خصوصا من الولايات المتحدة والدول الاوروبية لمنع انهيارها، وبالتالي فإن ضغوطاً خارجية تجري قطعا للطريق على خطوة استقالة الحكومة”.