ليس بالسواعد والعلم فقط تُبنى الأوطان، فالمدماك الأساس لإقامة دولة حقيقية لا يشوبها فساد أو ظلم… هو بالتأكيد “القضاء المستقلّ” الجاهز دوما للدفاع عن حقوق مواطنيه وإحلال العدالة في كلّ آن. ومتى سُيّس القضاء، فعلى العدل السلام.
في لبنان، يشكّل موضوع استقلالية القضاة عموما جدلا كبيرا، بين من يعتبر أن نسبة كبيرة منهم يحكمون حقا باسم القانون، لا يملي عليهم أحد شيئا، فيما يرى آخرون أن السياسة نخرت في القضاء طويلا لتجعله بوقا لها، ويحكم باسمها هي.
قد يكون الاثنان على حقّ، فعدل بعض القضاة ونزاهتهم أبعد من أن يتمكن أي أحد من نسج فبركات عنها، فيما أثبتت التجارب والواقع المرير الذي نعيشه أن نسبة كبيرة من هؤلاء ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسيين، حتى بات الكثير من الأحكام معروفا قبل صدوره متى ذكرتَ إسم القاضي الذي يتولى القضية.
في لبنان، السلطة القضائية لا تتمتع بأي استقلال مادي أو إداري، فهي ترتبط ماديا بالميزانية التي تعطى لوزارة العدل، كما أن السلطة التنفيذية هي المنوطة بالأمور الإدارية للمحاكم… أما توقيع التعيينات القضائية من قبل مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية فيبقى وصمة العار الأكبر على جبين العدالة فيه، والعائق الأكبر أمام الوصول للمحاسبة الحقيقية.
ألمانيا مثلا تتميّز بغياب الفساد عن أروقة القضاء فيها كما بالشفافية التي ترتبط بعمله، فالمحاكم مستقلة استقلالا تاما، والمثل الأكبر عن ذلك هو عدم التوافق أحيانا بين القرارات الصادرة عن المحكمة الدستورية الاتحادية والتوجهات السياسية في البلاد. ما تقدّم، ساهم إلى حد كبير في الازدهار الاقتصادي، حيث أن الثقة بالنظام القضائي شكلت عامل جذب للمستثمرين الاجانب.
النروج والسويد وكندا من الدول الرائدة أيضا في ما يخص العمل القضائي، ويُضرب المثل بها من حيث نزاهة قضاتها وعملهم الشفاف، بحيث لا تربطهم بالسياسة شيء، ويقوم عملهم على إحقاق العدالة من دون تبعيات أو تعيينات هزلية. وما تقدّم من الدول، هي من دون شك، الأرقى عالميا، وأكثر الدول الرائدة والتي تشكل مثالا في الازدهار ونوعية الحياة.
بُحّت أصوات اللبنانيين وهم ينادون بمحاسبة الفاسدين، وقيام دولة حقيقية تحمي أبناءها… بُحّت أصواتهم وهم يطلبون حقيقة من هنا، وإنصافا من هناك، يطلبون محاسبة من أفقرهم وسرقهم ومن وضعهم في جهنّم اللعينة. لربما، الأجدى بهم تغيير البوصلة لتغيير المصير، فالمحاسبة الحقيقية تبدأ بالانتخابات النيابية.. وبقضاء مستقل!