في خطوة يُفهم منها أن المواجهة حول التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 دخلت مرحلة شديدة الحساسية، دعا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى إلى التدخل سريعاً لوقف التسييس الفاضح الذي يحيط بعمل المحقق العدلي طارق البيطار، محذّراً من أن الأمور تسير باتجاهات “مقلقة؛ في الأيام القليلة المقبلة.
دعوة نصر الله جاءت بعد عرض مفصّل لما اعتبره خطوات استنسابية للقاضي البيطار، مشيراً الى أنه يعمل من أجل خدمة مشروع لا يهدف الى كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، ومعلناً للمرة الأولى إصرار حزب الله على المضيّ في ملاحقة ملف التحقيقات “لأن الحقيقة تخصّنا سياسياً ومعنوياً كما تخصّ أهالي الشهداء والمتضررين من التفجير”. وكان نصر الله صريحاً أكثر من العادة في إشارته الواضحة الى انحياز البيطار في طريقة مقاربته للملف، واستنساب من يريد التحقيق معهم أو الادعاء عليهم أو إصدار مذكرات توقيف بحقهم.
وعلمت “الأخبار” أن موقف نصر الله سيكون جزءاً من تحرك سياسي معلن أو بعيد عن الأضواء سيقوم به حزب الله في اتجاه الجهات المعنية القضائية والرسمية للمبادرة الى إعادة تصويب التحقيق وكفّ يد المحقق الحالي، بعدما بات واضحاً أنه جزء من عملية سياسية تهدف الى أخذ البلاد نحو فتنة شاملة.
موقف نصر الله جاء عقب خطوة قضائية اتّخذها أمس رئيس محكمة الاستئناف في بيروت القاضي نسيب إيليّا ورئيسة محكمة التمييز جانيت حنّا، وهي خطوة مستعجلة وتبيّن أنها أتت تعبيراً عن خشيتهما من تعرّضهما لضغوط من جهات نافذة محلية وخارجية، وهو المناخ الذي يسود الأوساط القضائية بمن فيها قضاة في مجلس القضاء الأعلى يبدو أنهم تلقّوا تحذيرات من السفارتين السعودية والأميركية في بيروت وتوصيات من سفراء دول غربية لأخذ الأمور نحو حرف التحقيق بما يناسب الفريق المعارض لحزب الله بغية استخدامه في حملة “شيطنة”، الحزب وبما يسمح لهذا الفريق باستثمار هذا الملف في التعبئة للانتخابات النيابية المقبلة.
ما يجري في ملف التحقيقات في جريمة تفجير المرفأ، وما يقوم به البيطار من جهة، وما يلجأ إليه قضاة لجأ إليهم المتضررون، يوحي بأن البلاد مقبلة على مواجهة شديدة، ويبدو أن القاضي البيطار دخل مرحلة التورط في مشروع سياسي كبير، يهدف الى تخريب لبنان وليس تحقيق العدالة، وهو مسؤول مباشرة عن كل تداعيات ما يجري الآن، ما يوجب رفع الصوت عالياً، وبصورة تتجاوز كل ما يجري الحديث عنه من أصول قانونية وإجرائية، والقول له صراحة: اتّقِ الله وأرح البلاد من فتنة تحملها بين ملفّاتك… وارحل!
من جهة أخرى، كتبت “الانباء الالكترونية”: بعد أن ردت محكمة الاستئناف طلب كف يد المحقق العدلي طارق البيطار عن التحقيق في ملف تفجير المرفأ للمرة الثانية في أقل من شهر، يبدو ان هذه القضية تتجه الى التصعيد بعد رفض المسطّر بحقهم مذكرات جلب الحضور الى المحكمة والاستماع الى افاداتهم.
في هذا السياق تقدم النائبان غازي زعيتر وعلي حسن خليل بدعوى ضد القاضي البيطار. وقد أشار رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي بول مرقص عبر “الأنباء الالكترونية” الى أن المادة /123/ أ.م.م. تنصّ في فقرتها الأخيرة على ما يلي: “يقدم عرض التنحي أو طلب الرد في ما يتعلق بقضاة محكمة التمييز إلى هذه المحكمة فتنظر فيه غرفة من غرفها يعينها الرئيس الأول لمحكمة التمييز”، وبالتالي كون المحقق العدلي ليس من عداد قضاة محكمة التمييز بل هو تابع لمحكمة جزائية استثنائية من نوع خاص، هي المجلس العدلي، المنصوص عنها في المواد 355 لغاية المادة 367 أصول محاكمات جزائية كما كان قضى اجتهاد محكمة الاستئناف رقم 2021/64 بخصوص دعوى الرد الذي تقدم بها النائب نهاد المشنوق أمامها مؤخراً، وقبلها عام 2007، لذلك يعتبر القرار الذي صدر عن محكمة التمييز المدنية في تاريخ 2021/10/11 مماثلا لجهة عدم اختصاصها نوعياً للنظر بطلب الرد هذا”. كما وكان ملفتاً بحسب المرجع القانوني عدم تبليغه للمحقق العدلي طارق البيطار، تفاديًا لهدر الوقت ووقف إجراءات التحقيق.
وبهذا تكون المحاولات القانونية والقضائية أمام المدعى عليهم للإطاحة بالقاضي البيطار، قد تعذرت، ولا يبقى سوى تحرك مجلس النواب بعد 19 تشرين الأول من العام الحالي مع تعذر فتح دورة استثنائية فورية لمجلس النواب، واذ ذاك يضيف الدكتور مرقص تفعّل الحصانات وتصبح القضية في ملعب المجلس النيابي مع بدء عقده الثاني حينما ستسعى كتل نيابية إلى ربط صلاحيته، مع ما قد يثيره ذلك من تنازع اختصاص بينه وبين المحقق العدلي الذي يكون قد سار في إجراءاته قبل عودة المجلس إلى الانعقاد.
وتوقف الدكتور مرقص عند كيف ان المحكمة لم تبلغ المحقق العدلي بطلب الرد تجنباً لتوقفه عن متابعة إجراءاته دون طائل طالما هي اعتبرت أنها لن تضع يدها على الملف لكون القاضي البيطار ليس من عداد القضاة الذين تنظر بردّهم. وبحسب المرجع القانوني، فإن الأنظار شاخصة الى المسرح النيابي حيث السعي اما لفتح دورة استثنائية فورا او انتظار 19 من الشهر الجاري في مسعى لوضع مجلس النواب يده على الملف عبر الاحالة الى التحقيق البرلماني والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهما مخرجان يراهما متعذران لوقف عمل المحقق العدلي القانون.
فهل يلتهب الشارع في ظل تنازع الاختصاصين القضائي والنيابي خصوصا مع امكان ذهاب القاضي البيطار إلى إصدار مذكرات توقيف غيابية؟ هذا ما يخشاه مرقص.
أما “الجمهورية” فقالت: يبدو المشهد الداخلي مفتوحاً على تجاذبات سياسية مسرحها التحقيق العدلي في تفجير مرفأ بيروت، وسط أجواء تفيد بأنّ الأمر لن ينتهي عند ردّ طلبات ردّ المحقق العدلي القاضي طارق بيطار عن التحقيق للارتياب المشروع، بل عن توجّه نيابي لرفع وتيرة المواجهة مع ما يعتبره المدّعى عليهم “تسييس الملف”، ومنع اي استهداف او تجاوز لصلاحيات المجلس النيابي. والخطوة الاولى عدم حضور النواب المدّعى عليهم علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق الى جلسات التحقيق التي حدّدها القاضي بيطار.
وفيما امتنعت مصادر قضائية عن تحديد الخطوة التالية التي سيُقدم عليها القاضي بيطار في حال تخلّف المدّعى عليهم عن الحضور الى جلسات الاستجواب، جزمت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ”الجمهورية”، بتطورات لافتة ستحيط بهذا الملف، ليس اقلّها إصدار القاضي بيطار مذكرات توقيف غيابية بحق النواب المدّعى عليهم، قبل بدء دورة الانعقاد الثانية لمجلس النواب التي تبدأ في الثلاثاء في 19 تشرين الاول الجاري، على غرار مذكرة التوقيف الغيابية التي اصدرها بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس.