اكد رئيس الحكومة حسّان دياب “أننا في حين نواجه أزمةً متعددة الجوانب وحادّة وغير مسبوقة، إلّا أننا نُدرك تماماً أن المسؤولية الأولى في عملية الإنقاذ تقع على عاتق اللبنانيين أنفسهم. إلا أن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، على خلفية الاضطرابات المستمرة في المنطقة، وتوفير البيئة الصالحة للنمو، هي مسؤولية دولية مشتركة”، ودعا منظمة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والدول الصديقة إلى “تحييد لبنان عن التداعيات السلبية الناجمة عن أية عقوبات قد تُفرض على السوريين، ولا سيما جرّاء قانون قيصر، وضمان عدم تأثير هذه التداعيات على سُبل التواصل التجاري والاقتصادي مع الخارج، وبالتالي وتقويض جهودنا المتواصلة للخروج من الأزمة الحالية التي يعانيها البلد”.
كلام دياب جاء خلال مداخلته في مؤتمر بروكسل الرابع لدعم مستقبل سوريا والمنطقة.
وقال “يُسعدني المشاركة في أعمال مؤتمر بروكسل الرابع، تلبيةً للدعوة الموجَّهة إلي والتي تكتسي أهمية بحد ذاتها، إذ إنها صادرةٌ عن الإتحاد الأوروبي وعن منظمة الأمم المتحدة، وكلاهما مرجعان دوليان رفيعان يبديان التزاماً كبيراً لجهة الحد من معاناة الشعوب ويحرصان على إحلال السلام وإشاعة الأمن والاستقرار وتوفير سبل العيش الكريم في البلدان التي لا تزال تعاني ويلات الحرب والأزمات.
وإذ أشكر منظّمي هذا المؤتمر على دعوة لبنان، أؤكد لكم عزم لبنان على مواصلة التعاون معكم جميعاً في سبيل التخفيف من معاناة النازحين واللاجئين السوريين وعلى تعزيز قدرات البلدان المضيفة”.
اضاف “ينعقد مؤتمر بروكسل في ظل اضطرابات وتوترات في العلاقات الدولية، ليس أقلّها غياب حل سياسي للأزمة السورية وانتشار جائحة كورونا التي تُشكّل”عدواً مشتركاً يفتك بشعوب العالم بلا هوادة ومن ضحاياه الفئات الأكثر ضعفاً والنازحين حسبما جاء في نداء الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق نار شامل. لم يَسلم لبنان من تداعيات جائحة كورونا، وإنما تمكّنت حكومتنا، من خلال التدابير الفعّالة المتّخدة في الوقت المناسب، من إدراج لبنان، في بداية الجائحة، على قائمة الدول الخمس عشرة الأولى التي انتصرت على الفيروس”.
وتابع “كما تعلمون، يستضيف لبنان العدد الأكبر من اللاجئين والنازحين قياساً بعدد سكانه في العالم. وفاقت كلفة النزوح السوري في لبنان 20 مليار دولار بحسب وزارة المال اللبنانية عام 2015. وتُقدَّر الكلفة حالياً بأكثر من 40 مليار دولار. وأتساءل عن مدى قدرة الدول على الصمود في وجه مثل هذه الضغوطات فيما لو واجهت التحديات الكثيرة والمتزامنة التي يعانيها لبنان”.
واكد الرئيس دياب “انه لإرث ثقيل ولمهمّة مصيرية لحكومة جديدة نسبياً وقد نأت بنفسها عن الاعتبارات الطائفية والسياسية الضيّقة لإنقاذ وطن يتخبّط في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي حوّلت نسبةً كبيرة من مواطنيه إلى مجتمعات ضعيفة فيما ثلاثون بالمائة من اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر المُدقع. ناهيك عن النازحين السوريين، حيث يرزح 55 بالمائة منهم تحت خط الفقر المُدقع وفقًاً لأرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين”.
ولفت الى “ان الحكومة اللبنانية آلت على نفسها، منذ البداية، العمل الدؤوب لاستعادة الاقتصاد اللبناني عافيته ومعالجة المشاكل التي طال أمدها عبر ورشة إصلاحات تقوم على تطبيق حكم القانون وقواعد الحوكمة الصحيحة والشفافيّة والمحاسبة. ويتجلّى نهج الحكومة في قراريْن أساسيين:
1-إقرار لبنان خطة للتعافي بتاريخ 30 نيسان 2020 والتي ترمي إلى معالجة المشاكل ذات الصلة بالاقتصاد الكلّي والمشاكل المالية والمؤسسية المتجذّرة؛ واستعادة الثقة؛ وتحفيز النمو الاقتصادي؛ وتعزيز النظام المالي السليم؛ وتحقيق القدرة على تحمُّل عبء الدين والاستدامة المالية.
2-إطلاق المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي بتاريخ 13 أيار 2020 لبلورة برنامج شامل لمساعدة لبنان.
اضاف “لكن، تبقى الحاجة ماسّة إلى الدعم المالي والتقني للحدّ من الأثر الناجم عن التكيُّف على السكان وبالتحديد اللبنانيين والنازحين السوريين الأكثر ضعفًا للأسباب التالية:
1-إنكمش إجمالي الناتج المحلي الفعلي اللبناني بنسبة 7 بالمائة عام 2019 ويُتوقَّع أن يتراجع بأكثر من 13 بالمائة في عام 2020 بالمقارنة مع العام الفائت، الأمر الذي سيرفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
علاوةً على ذلك، فإن “نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان في عام 2019 من دون النزوح السوري، كانت لتنخفض بمقدار 23 نقطة مئوية عن المستوى الفعلي، كما هو موضَّح في تقرير البنك الدولي حول “تداعيات الحرب” في سوريا.
2-تُلقي الأزمة الاقتصادية في لبنان وأزمة تفشّي جائحة كورونا بظلالها على جميع شرائح المجتمع من لبنانيين وغير لبنانيين إلى حدّ التضامن بالفقر بدلاً من تقاسُم نِعَم الرفاهية والعيش الكريم.
3-إن إجراءات الحجر التي فُرِضَتْ بسبب جائحة كورونا فاقمت تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى إقفال العديد من المؤسسات والمصانع وصرف عمّالها، مما جعل فرص العمل نادرة. ويُخشى من ازدياد التوتر بين النازحين السوريين وبين المجتمعات اللبنانية المُضيفة وداخل تلك المجتمعات بحدّ ذاتها، بفِعل الضائقة الاقتصادية.
4-إكتظاظ المدارس الرسمية بالتلاميذ، حيث بلغ عدد التلاميذ السوريين قرابة نصف عدد التلامذة اللبنانيين، فيما الحاجة ملحّة الى إعادة تأهيل العديد من المدارس وصيانتها. ومن المتوقَّع ازدياد الضغط على المدارس الرسمية بفعل اضطرار الأهالي إلى تسجيل أولادهم فيها نظراً للضائقة المالية.
5-نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة، يلجأ المزيد من اللبنانيين، على غرار النازحين السوريين، إلى خدمات الصحة العامة، مما يوسّع الفجوة المالية في القطاع الصحي.
6-زيادة كبيرة في الطلب على مواد مثل الطحين والخبز والكهرباء والمحروقات، المدعوعة من الدولة، وغيرها من عواقب النزوح السوري بالإضافة إلى تفاقُم المشاكل البيئية.
وشدد على “ان الاستثمار في البيئة وفي قطاعات أخرى مثل التنمية الريفية والزراعة سيُمكّن الكثير من اللبنانيين والسوريين الضعفاء من سدّ حاجاتهم وإعالة أسرهم”.
واشار الرئيس دياب الى “ان المسارات الاقتصادية لدول المشرق متشابكة وأن التطورات في سوريا مستقبلاً ستستمرّ في التأثير على اقتصادات دول المشرق الأخرى، كما جاء في تقرير البنك الدولي الحديث بعنوان “تداعيات الحرب” في سوريا”.
وختم “إذ تؤكّد حكومة لبنان من جديد حرصها على وتضامنها مع النازحين بفعل الحرب في سوريا، تُشدّد في الوقت نفسه على أن الحل المستدام للنازحين السوريين يكمن في عودتهم الآمنة والكريمة وغير القسرية إلى سوريا استناداً إلى القانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية. كما ينبغي عدم الربط بين مسألة الحل السياسي للأزمة السورية وعودة النازحين إلى ديارهم”، شاكراً الدول المانحة والمنظمات والمؤسسات والصناديق الدولية والاقليمية، ومنظمات المجتمع المدني على الشراكة الرائدة لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين وعلى الجهود الحثيثة التي يبذلونها في سبيل تعزيز استدامة الدول المضيفة، ومنها لبنان.
وإذ أستذكر قول الأمين العام للأمم المتحدة الراحل داغ همرشولد، يحدوني الأمل في أن نقترب من اليوم الذي “تكون فيه فرحتهم كبيرة وأحزانهم صغيرة”.