من المفترض أن يزور الرئيس المكلف سعد الحريري قصر بعبدا فورَ عودته من القاهرة اليوم
في المحصلة، يبدو أن الحريري حسمَ خياره… إلى الإعتذار در. ووسطَ تضارب في المواعيد التي تحدَّد للقائه مع رئيس الجمهورية ميشال عون، علمت «الأخبار» أنها تقررت بعدَ ظهر اليوم فورَ عودته من القاهرة حيث يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو كان قد طلب من المصريين تقديم موعدها إلى اليوم. وفي هذا السياق، أشارت مصادر على تواصل مع الحريري، كما مع القاهرة، إلى أن «الجو المصري يوحي بأن السيسي لن يثني الرئيس المكلف عن الإستقالة بعدَ أن فشلِت الجهود في تسويقه بالشراكة مع الفرنسيين، وأن الحريري يعلَم ذلِك، وحتى لو كانت هناك طلب من الجانب المصري بتأجيل الإعتذار فإن الحريري لن يتراجع عن قراره، بعدَ أن اقتنع باستحالة وجود فرصة للتأليف». حتى محاولات رئيس مجلس النواب نبيه بري إرجاء الإعتذار، ربطاً بخريطة طريق تحدد البديل وشكل الحكومة وبرنامجها لم تعُد تجدي نفعاً، فالبديل «لم يُتفق عليه، لأن الحريري حصره بأسماء من نادي رؤساء الحكومات، فرفض تمام سلام بينما لم يتخذ نجيب ميقاتي قراره، بحجة أنه لا يستطيع أن يحقق شيئاً ما دامَ الخارج لن يساعد لبنان، والداخل – تحديداً الطائفة السنية – لن يغطّيه». وبحسب مصادر مطلعة «لا يزال يجري البحث عن شخصيّة بديلة عن الحريري لتأليف الحكومة في الكواليس، تحديداً بينَ بري والحريري، وأن اسم ميقاتي يتقدّم من دون أن يكون محسوماً، مع التمسك بشرط أن يحظى هو أو أي إسم آخر بغطاء الرئيس المكلف، كي لا تُفسّر هذه الخطوة استفزازاً للشارع السني»، فتتكرر تجربة الرئيس حسان دياب. وبحسب مصادر مطلعة على مفاوضات التأليف، فإن أسهم ميقاتي ترتفع، خصوصاً أنه يتحدّث عن احتمال عدم خوض الانتخابات النيابية المقبلة في مطلق الاحوال، ما يعني أنه مرشّح لترؤس حكومة تكون مهتمها إجراء الانتخابات. ومما قد يشجّعه على قبول «المجازفة»، وعود فرنسية وأوروبية وقطرية ومن دول اخرى، بتقديم مساعدات للبنان في حال تأليف حكومة «توحي بالثقة وتلتزم تطبيق برنامج إصلاحي». لكن تحقيق هذه الوعود غير مضمون، ربطاً بغياب الضمانات الداخلية التي تسمح لميقاتي، أو غيره، بتأليف حكومة سريعاً.
ويرفض بري مسبقاً «تسمية أي شخصية من الذين سعى عون وجبران باسيل لتسويقهم سابقاً». كما يجري البحث في شكل الإعتذار وتوقيته. هل يفعلها الحريري من «بيت الوسط» أو «بعبدا»؟ هل يُقدِم عليها من دون أن يرفَع تشكيلته النهائية إلى الرئيس عون أم يذهب بها ومن ثم يعتذر عن التكليف؟ علماً أنه «ليسَ ميّالاً الى ذلك، إلا أن بري يفضّل تقديم صيغة نهائية».
الرئيس المصري لن يُثني الرئيس المكلف عن الإستقالة
وأمس، كانَ لبنان يُعايِن حركة الموفدين الفرنسيين الذين لم يتوقفوا منذ فترة عن التهديد بفرض عقوبات على المسؤولين الذي «يُعطّلون تشكيل الحكومة»، بعدَ استحصال موافقة الإتحاد الأوروبي على القرار بالإجماع. وهي حركة بدأت صباحاً مع وزير التجارة الفرنسي فرانك ريستر الذي استهل جولته من مرفأ بيروت، والتقى عون كما «اجتمع بطلاب ورجال أعمال لبنانيين للاستماع إلى تطلعاتهم، ومناقشة مستقبل النموذج الاقتصادي للبلاد» بحسب بيان السفارة الفرنسية في بيروت. وقد بدأ الموفد الفرنسي، المستشار في قصر الإليزيه، باتريك دوريل زيارته أمس والتقى الرئيس الحريري، وكان له لقاء آخر مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وبحث معهما في الأوضاع السياسية وتطورات الشأن الحكومي. وكانَ لافتاً، أمس الإتصال الذي تلقاه باسيل من نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، شدد فيه على «الضرورة القصوى للإسراع في تشكيل حكومة قادرة على الإصلاح وعلى وقف الانهيار»، تبعه بيان من وزارة الخارجية الروسية شددت فيه على أن «التدخل الخارجي في الشؤون اللبنانية غير مقبول ويأتي بنتائج عكسية». وردّت في بيانها على الإتحاد الأوروبي مؤكدة أن «التهديد باستخدام العقوبات يقوّض مبادئ وحدة لبنان».
من جهة أخرى، تتفاعل قضية التحقيقات في ملف تفجير مرفأ بيروت. ففيما لا تزال السلطة السياسية تُصر على تعزيز الحصانات التي تحمي الذين يريد المحقق العدلي الادعاء عليهم، تتصاعد تحركات أهالي الشهداء الذين نفذوا أمس مسيرة سيارة انطلقت من ساحة الشهداء وجابت شوارع العاصمة، للمطالبة بكشف حقيقة من قتل أبناءهم. وحمل الأهالي في مسيرتهم عدداً من النعوش وساروا بها باتجاه منزل وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي. ولدى وصولهم إلى هناك، تمكّنوا من اجتياز الحاجز الفاصل الذي تقيمه عناصر قوى الأمن الداخلي في المنطقة، واستطاعوا الوصول إلى محيط منزل وزير الداخلية، متهمين فهمي بـ «الكذب». كما اشترطوا على الأخير رفع الحصانة عن المدعى عليهم في قضية انفجار المرفأ مقابل إيقاف تعرضهم للمبنى. وأعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عبر «تويتر» أنه «أثناء قيام عدد من اهالي شهداء المرفأ بالاعتصام أمام المبنى الذي يقطن فيه وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي، حضرت مجموعات اخرى الى المكان وقاموا بتكسير مداخل المبنى والاعتداء المفرط على عناصر قوى الامن الداخلي، وبعد وقوع اصابات وجروح مختلفة عديدة في صفوف العناصر، أعطيت الاوامر باخراجهم من المكان». وأضافت: «إن ما نقوم به هو واجبنا القانوني في حماية الممتلكات العامة والخاصة».
على خط آخر، نقلت أوساط عن مصادر مقربة من الرئيس نبيه بري عبر “الراي” الكويتية تأكيدها أن اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري لن يبدل الأزمة الحكومية أبدا. ولدى سؤالها عما سيتبدل على مستوى الحصص والتوازنات التي يريدها عون داخل الحكومة في حال لم يكن الرئيس الحريري هو الرئيس المكلف تشكيل الحكومة؟ تعتبر مصادر بري، أننا سنعود إلى المربع نفسه مع أي رئيس آخر، طالما أن العهد متمسك بموضوع الثلث المعطل.
وأشارت إلى أن البحث يتركز اليوم في خيارين:
٭ الأول: ألا يعتذر الحريري وأن يبقى متمسكا بموقفه، على الرغم من الضغوط الهائلة عليه من قبل الشارع في ظل التراجع المالي، أو جراء المسعى الدولي لتشكيل حكومة في لبنان، مع العلم أنه لا يريد أن يصور نفسه على أنه حجر عثرة أمام ولادة الحكومة، بغض النظر عن أن من يتحمل مسؤولية عدم التأليف هو العهد، بفعل الشروط التي يضعها.
٭ الثاني: أن أي اعتذار من قبل الحريري يجب أن يكون مسبوقا باتفاق على رزمة كاملة لتحاشي أن تكون هناك حساسية شخصية ما بين العهد والرئيس المكلف الجديد، أو اعتبارات سياسية أخرى لها علاقة بأن الحريري هو حليف بري ووليد جنبلاط، اللذين لديهما مرشح رئاسي وهو الوزير السابق سليمان فرنجية.
أما بالنسبة لمدى إمكانية ولادة اتفاق من هذا النوع، يشكل بديلا ومخرجا لسعد الحريري على قاعدة حكومة انتخابات تشكل بالحد الأدنى غطاء له في عبوره من مرحلة التكليف إلى مرحلة الاعتذار، خصوصا لناحية أن رئيسها ستتم تسميته من بيت الوسط، أوضحت الأوساط، أنه من خلال إبرام اتفاق مماثل يمكن للحريري أن يقول داخل بيئته أن سبب اعتذاره هو أن الحكومة المراد تشكيلها هي حكومة انتخابات وليست إنقاذية، وبالتالي، لا داعي لأن يكون هو على رأسها، واعتذاره ليس انتصارا أبدا للفريق الآخر، وإنما مجرد تموضع جديد.
مرجع سياسي سنّي شبه مرحلة «ما بعد الاعتذار»، إذا حصل، بمقولة «رب يوم بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه»، متسائلا عن هوية المتطوع الجديد الذي باستطاعته تأليف حكومة وفق المواصفات المطلوبة. ويقول ان موقف رؤساء الحكومات الثلاثة متخذ لجهة عدم تسمية أحد من جهة، والاتجاه إلى عدم القبول بأي تكليف شخصي من جهة ثانية، باعتبار أنه لا يمكن للرؤساء التخلي عن الشروط الدستورية المرتبطة بعملية التأليف.
ويعبر المرجع عن قناعة راسخة لديه بأن أي تكليف جديد يأتي على منوال الواقع الحالي في الصراع الناشب بين القوى السياسية حول موضوع الحكومة، لن يحظى بأي دعم محلي أو عربي أو دولي. ويؤكد أن هناك خيارين لا ثالث لهما أمام كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف: إما أن تتألف حكومة تولد ميتة في حال عمدت إلى إرضاء القوى السياسية، وإما أن تتألف حكومة على أساس ما يسمى المبادرة الفرنسية من خلال اختيار شخصيات مستقلة وغير حزبية من أصحاب الكفايات وتعمل على تحقيق الإصلاحات بما يرضي اللبنانيين أولا، ويحقق رضى المجتمعين العربي والدولي تاليا.
ويستنتج أنه في حال برز متطوع جديد للتأليف، يقبل بشرط تحالف العهد ـ حزب الله، فعندها سيكون الاتجاه إلى نموذج أكثر سوءا من تجربة حكومة حسان دياب.
وتقول أوساط قريبة من بيت الوسط إن اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة، إن حصل الآن أو في أي وقت كان، لن يؤدي إلى حل أزمة تشكيل الحكومة أو متفرعاتها، مع وجود سببين رئيسيين يتحكمان بعملية تشكيل الحكومة الجديدة:
٭ الأول استمرار ربط حزب الله عملية التشكيل وولادة الحكومة العتيدة بالكامل بالأوراق التي تمتلكها إيران في التفاوض على الملف النووي مع الولايات المتحدة الأميركية، برغم كل محاولات التهرب وإخفاء هذه الخطوة.
٭ الثاني الذي يطغى ظاهريا أمام الرأي العام للتغطية على السبب الأول، وهو محاولة باسيل الإمساك بمفاصل أي حكومة تتألف، تحت عناوين وذرائع كاذبة ومتعددة، لإعادة تعويم نفسه من العقوبات الخارجية المفروضة عليه واستنهاض وضعيته السياسية والشعبية. وبالتالي، فإن أي شخصية، سياسية أو غيرها، تكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، مع استمرار هذين السببين، ستواجه بأساليب العرقلة والتعطيل الممنهج نفسها ولو بأشكال مختلفة، وبالتالي، لن تستطيع تأليف حكومة قادرة على الانفتاح بالداخل والخارج، للمباشرة بحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان. وإزاء هذا الواقع، سيؤدي إقدام الرئيس المكلف على الاعتذار، إلى استفحال المشكل نحو الأسوأ وتدهور الأوضاع بشكل غير مسبوق.