على رغم حال عدم ارتياح المجتمع الدولي من تلكؤ السلطة في القيام بمبادراتها الانقاذية والاصلاحية الملموسة، فإنّ فرصة دولية جديدة قد لاحت في الافق الداخلي في الساعات الأخيرة، ترتكز على خريطة طريق انقاذية، لا بدّ للسلطة اللبنانية ان تسلكها قبل فوات الأوان، وحدّدها سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف خلال مناقشة النواب لاقتراح قانون المشتريات العام في مجلس النواب. بمشاركة ممثلين عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الرقابية في لبنان.
وفي معلومات “الجمهورية”، انّ سفير الاتحاد الاوروبي رالف طراف، عبّر عن سروره لوضع هذا الاقتراح على طاولة النقاش، باعتباره احد اهم القوانين الاصلاحية إن تمّ السير فيه واقراره.
وقال: “اننا كمجموعة دعم دولية للبنان، قد ابلغنا الحكومة اللبنانية بكل وضوح بأنّ دعمنا للبنان ولحكومته، يرتكز على مجموعة نقاط اساسية، ينبغي عليها ان تقوم بها في اسرع وقت ممكن، لكي تبدأ المساعدات بالوصول الى لبنان ومنها:
- النقطة الاولى، المعالجة الملحّة والضرورية جداً لقطاع الكهرباء، فمن غير المقبول ابداً ان يستمر الوضع فيه على ما هو عليه حالياً.
- النقطة الثانية، والتي تُعتبر اكثر من ضرورية، وهي اصدار قانون استقلالية القضاء اللبناني.
- النقطة الثالثة، اصدار قانون الشراء العام ( وهو قانون يتعلق بكل ما يشتريه القطاع العام، وبالمناقصات التي تجريها الوزارات والمؤسسات العامة والمجالس والبلديات، حيث يرمي الى تنظيم كل هذه الامور من خلال ادارة المناقصات وتوسيع دورها، بما يؤدي الى مناقصات اكثر شفافية واكثر التزاماً بالمعايير والشروط القانونية).
- النقطة الرابعة، ولعلّها الأهم من بين كل الشروط، وهي المصداقية، فالمطلوب بالدرجة الاولى من لبنان هو ان يستعيد الثقة به (ثقة اللبنانيين، وكذلك ثقة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية).
وبحسب المعلومات، ان ممثلي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تبنّوا ما اشار اليه سفير الاتحاد الاوروبي، وشدّدوا على انّ الاصلاح هو باب الانقاذ للبنان، وانّ الخطوات الإصلاحية التي اوردها السفير طراف هي الاساس في اي دعم مُنتظر للبنان.
وقالت مصادر نيابية لـ”الجمهورية”، انّ ما جرى التعبير عنه من قِبل سفير الاتحاد الاوروبي، الذي عكس موقف مجموعة الدعم الدولية وكذلك من ممثلي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في جلسة مناقشة اقتراح قانون الشراء في مجلس النواب، يشكّل المفتاح للمساعدة التي يمكن ان تُقدّم من صندوق النقد الدولي. ما يعني انّ ذلك يوجب ان يتمّ التعاطي بكل جدّية مع الصندوق، فمن دون هذه الجدّية، التي ينبغي ان تتبدّى في الخطوات الاصلاحية خصوصاً في مجال الكهرباء اولاً، لا يؤمل بتحقيق اي نجاح في الحصول على مساعدة من الصندوق.
الصندوق: في هذا الوقت، انعقدت امس، جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، في حضور وفد وزارة المالية برئاسة وزير المال غازي وزني ومصرف لبنان، وتمحور النقاش في هذه الجولة حول موضوع متابعة البحث في ارقام الخسائر المتباينة بين وزارة المالية ومصرف لبنان. على ان يُستكمل البحث في جلسات تفاوض تالية.
وزني: وقال وزير المال لـ”الجمهورية”، انّ “النقاش يتمّ بروحية ايجابية، وانا شخصياً مرتاح لمسار الامور، علماً اننا نعتمد في هذه المفاوضات سياسة الخطوة خطوة، على امل ان نصل في نهايتها الى خواتيم ايجابية ومريحة للبنان”.
ولفت الى انّه “من حيث المبدأ لا سقف زمنياً محدداً للتفاوض، كما لا سقف زمنياً محدداً لظهور نتائج، ولكن افترض اننا في وقت ليس بعيداً يمكن ان نعرف ذلك، واما الآن فالاساس هو متابعة النقاش والتفاوض، وكما قلت المباحثات جدّية وعميقة في كل المحاور التي نتناولها”.
9 مليارات: الى ذلك، وفي الوقت الذي تعبق الصالونات السياسية بالحديث عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وما يمكن ان يقدّمه للبنان في ختام هذه المفاوضات، جزمت مصادر الوفد اللبناني المفاوض مع الصندوق بضرورة عدم الافراط في تقدير ارقام خيالية للمساعدة المرتقبة من صندوق النقد، وبالتالي فإنّ ما يمكن ان يحققه لبنان في هذه المفاوضات، اذا ما استمرت ماضية بوتيرتها الايجابية، لا يعدو اكثر من مليار و800 مليون دولار على مدى 4 او 5 سنوات، اي ما مجموعه 9 مليارات دولار. هذا مع العلم انّ صندوق النقد لا يقدّم الاموال مجاناً، بل ستكون مقيّدة بشروط تطبيقية صارمة لها، وحتى الآن لا نستطيع ان نحدّد ما هي شروط قبول صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان، وتأثيراتها وكذلك انعكاساتها، سلبية كانت او ايجابية، على الفئات الشعبية في لبنان وتحديداً على الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود.
وبحسب معلومات مطلعين على اجواء المفاوضات، فإنّ ما يشدّد عليه ممثلو صندوق النقد، هو مبادرة الحكومة الى اجراءات اصلاحية سريعة في العديد من القطاعات الحيوية، فمن شأن ذلك ان يعزّز موقف لبنان اكثر ويشكّل عاملاً محفّزاً للصندوق لإطلاق مساعداته تجاه لبنان في وقت قريب. علماً انّ صندوق النقد لا يسعى في المفاوضات الجارية مع لبنان الى وضع خريطة طريق جديدة امام لبنان، يوجب عليه سلوكها للحصول على المساعدات، ذلك انّ خريطة الطريق هذه، سبق للصندوق ان وضعها في تقرير علني (article 4) اصدره في تموز من العام 2019، يحدّد فيه كل مكامن الخلل في البنية الاقتصادية والمالية في لبنان وسبل المعالجة والاصلاح. وهذا التقرير يفترض ان يكون في عهدة الحكومة اللبنانية، وما عليها سوى الاستفادة منه، وتبادر الى خطوات تنفيذية ملموسة في قطاعات الخلل المتعددة، ومن شأن ذلك ان يسهّل مهمتها اكثر في المفاوضات مع صندوق النقد ويحصّن بالتالي موقف المفاوض اللبناني.