كتب الدكتور جيلبير المجبر
يا شعبنا الشجاع .. أيّتها الشباب والشابات .. اسمعوا كلامنا و كونوا على قدر حساسية الظرف و المرحلة!
تغرَّبنا عن الوطن عنوةً ، بعدما بتنا غرباء حتى داخل بيوتنا ، ووسط عائلاتنا التي نراهم وهم يعاندون الحياة والأيام لإعالة أنفسهم وإعالتنا ، فقررنا طرق باب الخارج علّنا نتمكّن من إعادة الإعتبار لقيمتنا الإنسانية ، وإرسال ما تيسّر لأهلنا ، لننقذهم من شبح الفقر في الداخل ، ذلك أنه لا دولة تحمينا ولا قضاء ولا قانون ولا حتى مجتمع متكافل يدعم بعضه الآخر.
هناك عاندنا نحن مرارة الغربة ، لكن أبينا إلاّ أن ننتصر لذاتنا وطموحاتنا ، لم تكن الحياة سهلة علينا ، لكن همّ البقاء وإعادة تنشيط الذات كان أقوى من كل العقبات ، و أيامٍ قضيناها بلا طعام ولا مأوى ، نتضرّع من ينقذ حياتنا بكسرة خبز ، إلى أن صنعنا ذاتنا ، وحمتنا هناك في الغربة الدولة ووقف القانون إلى جانبنا ، وكانت الناس أرحم علينا.
سنوات ونحن نقضيها بين تأسيس العمل خارجاً وزيارة الأهل في لبنان ، ودعم بعض الناس من ابناء وطننا بما تيسّر من ليراتٍ لم نجمعها حيث نحن إلا بالكدِّ والتعب والمشقّة والمعاناة ، لكنها حسبناها “حلال زلال” على أبناء بلدنا ، وانسجاماً مع رسالة الاهل وخاصة الوالدة التي ربّتنا على فتح بيتنا لمن هم أكثر حاجةٍ مِنّا ، رغم حاجتنا نحن في كثيرٍ من الأحيان.
قررنا إنشاء مؤسسة تُعنى بأحوال أهلنا وناسنا في جبيل ومن ثم عموم لبنان ، حيث رزقنا الله من نعمه ، فقدّمنا ما تيسّر كمنحٍ جامعية ومدرسية لطلاب متعثرة أحوالهم ، ثم ترميم وبناء مساجد وكنائس ، ومساعدات غذائية ومالية وطبية ضخمة ، لعائلات كان الله في عونهم ، ومساعدة مؤسسة الدفاع المدني في تقديم معدات طبية وسيارات اسعاف واطفاء وخلافها ، وكذلك دعم جمعيات محلية وبلديات ومستوصفات ودور ايتام و عجزة ، وغيرها الكثير ، بما رزقنا إياه الله.
وكل هذا ، فقط لأننا عشنا واختبرنا معنى الفقر ومذلّته في كثيرٍ من الأحيان ، وتعايشنا مرغمين معه.
ثم تابعنا النضال ولكن هذه المرة بوجهتها السياسية ، لنُصوِّب على الفساد ونقول كفاكم يا حكام لبنان استهانة بكرامات الناس ، كفاكم عربدة وسرقة لأحلامنا وحقوقنا ، فنحن تمكّنا قليلاً من إنقاذ ذاتنا ، لكن ماذا عن العشرات والعشرات غيرنا.
ترشّحنا معنوياً لمنصب رئاسة الجمهورية اللبنانية ، ولمقعدٍ نيابي في جبيل ، ليس من أجل المناصب ، بل للقول أننا كفقراء يمكننا أن نصل ، يحق لنا أن نحلم ، بإمكاننا بناء وطننا بقوة عزيمتنا وضميرنا الحيّ ، وأنكم يا مسؤولين أفقرتمونا وأذلّيتمونا ، وبعتم لبنان كل منكم لجهة خارجية معينة ، وأغدقتم علينا مشاعر خدّاعة ، وتصرّفتم بالمالية العامة وكأنّها ملك شخصي لكم ، واستوليتم على المناصب وحسبتموها باقية مدى الحياة لأمثالكم وشخصكم.
اليوم وبعد جملة من المغالطات ، وسنوات من الخداع ، نتوجّه لشبان هذا الوطن ، حتى للعجوز والكاهل ، أن لا تخدعكم بعد كل الخطابات ، ان لا تضعوا خطوطاّ حمراء جديدة لذاتكم غير الخلاص من تحت رحمة الإحتلال السياسي للبنان ، من قبل زعامات لم تكن في يوم من الأيام وطنية ، أو تهتم ببناء الوطن.
إن المصارحة مع الذات اليوم هي الأهم ، علينا إسقاط الجميع بدءًا برأس الهرم حتى اصغر موظف فاسد ، ليس هناك من موقع مقدّس او ممنوع المس به ، وإن سمعتم رجل دين يدافع عن زعيم اذهبوا واخلعوا ثوبه الديني وارموه قبل الزعيم في حاوية الذلّ.
تكاتفوا لبناء تحالفات وطنية جديدة ، لا تكتلات طائفية بغيضة ، إلعنوا الميليشيات ، حاربوا حملة السلاح ، أنشدوا بناء دولة القانون ، صيغوا دستوراً وطنياً لا مستورداً ، وضعوا حداً لتجاوز السفارات والخارج وتكالبه بحق وطننا.
تكاتفوا مع اللبنانيين من حول العالم ، لبناء دعم وطني داخلي وخارجي قوي و متين ، ليكونوا مشاركين في حلم بناء لبنان الأفضل ، ويمدُّوكم بالمشاريع والخطط إلى جانب ما لديكم هنا من طاقات.
إننا اليوم يا شعب لبنان ، ويا شبابه في مستنقعٍ من الإهانة و الذل ، بفضل الحكام الفاسدين ، المنافقين. هؤلاء الذين استغلّوا عصب الشباب فدرّبوهم على حمل السلاح بدلاً من تشجيعهم على العلم، ليبقى الجهل هو المسيطر على عقولهم ، ويبقوا قادرين على سوقهم كيفما كان.
إننا اليوم في الدَّركِ الأسفل من نهاية لبنان وحلم بناء هذا الوطن ، ولنعلنها .. لا سلام مع هذه الطبقة السياسية الحالية الحاكمة بمجملها ، لا حوار معهم ، لا هدنة ، لا نريد أن نسمع لهم ولا حتى نسمع بهم بعد الآن ، ولننهي دورهم بثورة شعبية حقيقية نظيفة ، وإلاّ فمصير هذا الوطن ليس أحسن من نيران الصومال الدائمة ، أو تقسيم السودان أو طائفية وضعوا العراق بها.
الفرصة اليوم موجودة ، فإما شجاعة مواجهة الظلم ، أو فلتحلّ علينا لعنة الظلم هذه إلى الأبد.