تتنافس القوى السياسية وتتسابق، أخيراً، علىى تقديم إقتراحات وطروحات «تغييرية» بهدف تطوير النظام، وكسر المركزية الإدارية، التي أثبتت التجربة، أنّها تحول دون الإنماء المتوازن وإصلاح إدارات الدولة والحدّ من البيروقراطية والفساد وتسيير أمور المواطن بلا عناء. وإذ يحصر البعض سقف مطالبه بتعزيز اللاحصرية، يُطالب البعض الآخر بالإنتقال الى اللامركزية الإدارية الموسعة، فيما يصل آخرون الى حدّ طرح تغيير شكل الدولة ليصبح لبنان دولةً فدرالية. وما زال الجبيليون والكسروانيون ينتظرون تنفيذ قانون إنشاء محافظة كسروان الفتوح وجبيل، لتسهيل إجراء معاملاتهم فقط! وهذا الإجراء يأتي في إطار اللاحصرية وليس اللامركزية الإدارية، إذ إنّ المحافظ موظّف تعيّنه السلطة المركزية ويخضع لها، ولا ينتخبه أهالي المحافظة.
في خضّم «الإقتراحات التغييرية» البعيدة المنال والتطبيق، يعاني المواطن من إدارة مركزية لم تصل بعد حتى الى المكننة. ويُضطر، على سبيل المثال أبناء جبيل وكسروان الى الذهاب الى بعبدا لإنجاز معاملات رسمية بسيطة، قد يتطلّب أياماً، فيُضطرون الى عرقلة أشغالهم وتضييع ساعات نهاراتهم بسبب زحمة السير، لتأمين إفادة أو معاملة رسمية أو «التفتيش» على ملف، فهناك ما يقارب 6 الآف معاملة إدارية ومالية تُقدّم يومياً في كلّ من قضاءي كسروان – الفتوح وجبيل.
وفي إطار متابعة إصدار مراسيم تنفيذ القانون الذي أقرّ إنشاء هذه المحافظة في 17 أيلول 2017 ويكون مقرّها في جونيه، سأل رئيس الرابطة المارونية النائب السابق نعمة الله أبي نصر المعنيين، أمس الأوّل، «أين أصبحت محافظة كسروان- الفتوح وجبيل؟». وناشد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة، الإسراع في إصدار المراسيم التطبيقية وتعيين محافظ لمحافظة كسروان- الفتوح وجبيل، أُسوة بمحافظتي عكار وبعلبك الهرمل اللتين تمّ إقرارهما وتنفيذهما في الاعوام الماضية بسرعة قياسية. إقتراح إنشاء محافظة كسروان وجبيل علق في مجلس النواب لمدة 14 عاماً، بعد أن قدّم أبي نصر إقتراح قانون لإنشائها عام 2003. وفي التاريخ نفسه قدّم نواب بعلبك الهرمل وعكار، إقتراحي قانون لإنشاء محافظتي عكار وبعلبك الهرمل، وأُقرّ إنشاء هاتين المحافظتين في غضون أشهر، وفي فترة لا تتعدّى السنتين عُيّن محافظا عكار وبعلبك الهرمل وصدرت مراسيم إنشاء المحافظتين.
تخاذل نواب جبيل وكسروان السابقين لأعوام، فضلاً عن اعتبار البعض، أنّ محافظة جبيل وكسروان هي «محافظة الموارنة»، عرقلا إقرار قانون إنشائها حسبما يقول أبي نصر لـ»الجمهورية»، الى أن أُقرّت بموجب القانون الرقم 50، ونُشر في الجريدة الرسمية في 14 / 9 / 2017.
لكن حتى الآن لم يُعيّن محافظ لكسروان وجبيل، على رغم متابعة أبي نصر ونواب القضاءين الحاليين، وظلّت كلّ هذه الخطوات بلا نتيجة. ويعتبر أبي نصر أنّ «هناك تمييزاً في التعامل بين منطقة وأخرى، فيما أنّ هذا المطلب إنمائي بحت، وهذه المحافظة تلبّي حاجات الناس على غرار البلدية واتحاد البلديات». ويسأل: «هل يُعقل أن يُضيّع المواطن أياماً من أجل «توقيع» مختار أو رئيس بلدية أو لدفع رسوم الميكانيك أو تصديق توقيع استاذ مدرسة»؟، مؤكّداً أنّه في صدد اتخاذ خطوات تصعيدية في حال لم تُعيّن الحكومة محافظاً قريباً. ويوضح أنّ هذه المحافظة تخفّف عناء الناس وزحمة السير، وتُعزّز انتشار الدولة وتحصيل إيراداتها، من دون أن تُخصّص لمناطق على حساب مناطق أخرى. ويعتبر أنّ إنشاء هذه المحافظة خطوة في إتجاه اللامركزية الإدارية التي أُقرّت في وثيقة «الوفاق الوطني» بالإجماع.
وكان نواب كسروان ـ الفتوح الحاليون، بمن فيهم النائب مصطفى الحسيني، عقدوا إجتماعاً في مقرّ الرابطة المارونية بدعوة من أبي نصر في آب 2019، لمتابعة الإجراءات التنفيذية اللازمة لإتمام تنفيذ إنشاء محافظة كسروان ـ الفتوح وجبيل. وأكّدوا أنّهم سيباشرون جولة جديدة من التحرّك على المسؤولين المعنيين للمطالبة بالإسراع في تعيين محافظ للقضاءين ورصد موازنة لإنشاء المحافظة وبناء مقرّ لها.
على أنّ تأخير وصول إنشاء المحافظة الى نتائجها المرجوّة، سببه الظروف الأخيرة التي طرأت، من «انتفاضة 17 تشرين الأول 2019»، الى الأزمة المالية والنقدية وصولاً الى أزمة «كورونا» والتعطيل في البلد، حسب النائب شامل روكز.
ويؤكّد روكز لـ»الجمهورية»، أنّ المتابعة مع وزير الداخلية ستُستأنف لتعيين المحافظ والمباشرة في إنشاء المؤسسات التي تتطلبها المحافظة، مشيراً الى أنّ الإقتراحات في هذا الإطار موجودة، إنما يجب تسهيل تنفيذها من النواحي الإدارية والمالية. ويوضح أنّه سبق الإتفاق على إضافة طابق على مبنى سرايا جونيه ليُخصّص مقراً للمحافظة.
وإلى الأسباب الموجبة لإنشاء محافظة جبيل ـ كسروان، التي تضمّ 175 قرية وبلدة، ويبلغ تعداد سكانها 400 ألف نسمة من مسيحيين وسُنّة وشيعة يُضاف إليهم عشرات آلاف المقيمين، أثبتت أزمة «كورونا» وقبلها أزمة النفايات، أهمية السلطات المحلية في إدارة هذه الأزمات، ومنها المحافظات.
ويعوّل أهالي جبيل وكسروان على الرئيس عون لإنشاء المحافظة في عهده، وهو سبق أن وعدهم بذلك، وتؤكّد مصادر بعبدا لـ»الجمهورية»، أنّه يتابع هذا الأمر وسيعمل على وصوله الى خواتيمه السعيدة، إذ إنّ النيّة موجودة لديه وعلى رغم من أنّ الواقع حال دون تحقيق هذا الهدف الى الآن، ما زال مصراً على تحقيقه.
وفي حين أنّ الخطوة الأولى لإنشاء هذه المحافظة تكمن في تعيين محافظ لكي يعمل على استحداث الأقسام والمصالح وتطوير ملاك المحافظة، أفادت معلومات «الجمهورية»، أنّ هذا الأمر سيُطرح قريباً على طاولة مجلس الوزراء، ضمن سلّة تعيينات ستشمل تعيين محافظ جديد للنبطية بعد خروج المحافظ الحالي للتقاعد، إضافةً الى تعيين محافظ كسروان الفتوح وجبيل.
ورغم تأكيد من مصادر رسمية، أنّ خطوة تعيين المحافظ واردة، إلّا أنّ محافظة كسروان وجبيل ستبقى «حُلماً» الى حين ترجمة الوعود وتنفيذ القانون.